|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
افرست
معلق:
سنقدم لكم اليوم قصة تحتوي على عدة قصص جميعها مثيرة في آن
معا. إنها حكاية تسلق ولكنها على صلة بجولة حول العالم. سنحدثكم عن
استكشافات ومشاهدات من الجهات الأربع وفي قارات الأرض الستة. بطلها
صديقنا رامون بورتيا، وهو أول اسباني يبلغ أعلى سبع قمم في هذه
القارات.
ندعوكم إذا لتسلق مجموعة من القمم المتصلة بين بعضها البعض بطريق يجمع
بين أماكن مختلفة على طول البسيط وعرضه. سنقدم لكم رحلة فريدة قامت بها
أحد آخر الرحالة في عالم قضى على الرحالة.
سبع قمم
صوت:
كيف انتهيت بالمجيء إلى هنا؟
رامون:
هنا بدأ كل شيء، قبل ثلاثة وعشرين عاما سرقت حبل الستائر من
أمي وجئت أتسلق مع بعض الأصدقاء. لم أكن أعرف حينها أين تقع افرست.
معلق:
حبل مسروق، وصخرة من وادي بيدراسا، قبل أن يكمل السادسة عشر
من عمره. هذا ما احتاجه رامون بورتيا ليعيش أول مغامرة له في التسلق.
ولكن ما بدأ بمشاكسة صبي غريب عن المغامرات، تحول إلى هواية غيرت
حياته. ما أدهش رامون في ذلك المشهد الهائل لكتل صخرية منتصبة، جعله
يفتح الستار بحبل متواضع جدا، ربطه ولم يدعه يفلت أبدا.
أنعشت الجبال مخيلة البشر منذ مهد الحضارات، وقد أثارت فيه
بداية بعض الخوف والدهشة، وقد صورها في أساطيره مقامات للآلهة أو آلهة
بحد ذاتها. تحول ذلك إلى وجهة مختلفة منذ مائتي عام فقط عندما داس بعض
الرجال إحدى القمم البيضاء الجليلة، دون أن يدفعهم إلى ذلك الخوف أو
التعبد، بل حبا بالمغامرة والفضول.
خلال فترة قصيرة نسج الإنسان والجبل تاريخا مشتركا تمتزج فيه
التضحية والمأساة والعاطفة. إنها مغامرة التسلق، ربما كانت المغامرة
الحديثة الأقرب لبني البشر، هي التي دفعت رامون كي يبدأ بمحاولة أخذته
في نهاية الأمر إلى سطح العالم.
رامون:
عام اثنان وتسعون وصلت إلى قمة إيفرست. لم أر النهاية هناك،
بل رأيت إمكانية تحقيق حلم أوسع نطاقا، يكمن في تسلق أعلى القمم في
جميع القارات.
معلق:
بلغ رامون قمة إيفرست على ارتفاع ثمانية آلاف وثمانمائة وستة
وأربعين مترا خلال الرحلة الثانية لفريق محاكاة المستحيل إلى هذا
الجبل. خلال الرحلة الأولى التي جرت قبل خمسة أعوام، اكتشف جدولا مخيفا
عبر شلالات الجليد في خومبو سيراكس، وكأنه قلعة توشك على الانهيار،
وشقوق تنذر بكابوس حي، جميعها عقبات ستواجه كل من تسول له نفسه بلوغ
أعلى قمة في العالم.
أطلق سكان سفوح جبال الألب على هذه القمم لقب تشومولونغما،
أي آلهة الرياح الأم، حال سوء المناخ دون وصولنا إلى القمة، رغم كل
الجهود التي بذلت. تعلمنا هناك أن علينا عبور الجحيم قبل أن نلامس
السماء.
عند عودتنا إلى أسفل الإفرست للقيام بمحاولة جديدة، فكرنا
بكل المعانات التي مرت بنا خلال السنوات الخمس، ولكن كنا نعتمد على
تجربة أكبر، منها مثلا أن رامون قد صعد إلى عدة قمم من ثمانية آلاف
متر، رغم صعوبة جدرانها حول العالم. أضف إلى ذلك أن الأحوال الجوية
كانت مواتية جدا لنا.
سمحنا لأنفسنا بوضع جدول إلى القمة أكثر تعقيدا من الطريق
العادي. اتبعنا الطريق البولندي الصعب والمباشر الذي يتبع الجناح
الجنوبي.
تشكلت البعثة هذه المرة من من عناصر في فريق محاكاة
المستحيل، ومجموعة من الكلية العسكرية لجبل جاكا.
تمكنا بفضل العمل المشترك من التقدم على إيقاع جيد. ولكن كل
ما رأينا الرياح تقتلع الجليد من القمم كنا نتذكر ما جرى في رحلتنا
الأولى إلى إفريست. تحول التشاؤم إلى واقع مؤلم عندما فشلت أول محاولة
هجوم لنا على القمة بسبب إحدى العواصف.
شكل فرانسيسكو غان وألونصو خويس بالإضافة إلى رامون الدفعة
الثانية، والنهائية. كنا نعرف أنهم إن لم يبلغوا القمة سوف نعود
أدراجنا بخفي حني. تولى رامون مهمة التصوير إلى أقصى حد ممكن. ولكنه
استطاع ذلك من حسن الحظ حتى داسوا أعلى قمة في العالم.
كان رامون يشاهد العالم من أعلى نقطة فيه. كما أنها على قمة
في أسيا. وهكذا تحول الهدف ثانية إلى نقطة انطلاق نحو مغامرة أخرى. لم
يبق إلا ستة من القمم السبعة الأعلى في القارات.
علما أن القمم الحقيقية الباقية كانت خمسة فقط. ذلك أنه سبق
أن داس أعلى قمة في أمريكا، وهي قمة أكونكاغوا.
ساحة البغال هو اللقب الذي ألقي على المخيم الأساسي للطريق
الطبيعي إلى أكونكاغوا. إلى هنا كانت تصل العربات المحملة بالسياح
المتعطشة للتعرف إلى الحارس الصخري، أو أكون كاواك بلغة الكيشوا.
حتى أن البعض كان يجرؤ على محاولة التسلق. تخدعهم السهولة
البادية على الطريق. عادة ما يدفعون الثمن غاليا إن لم يكونوا مستعدين
للمحاولة.
لم يطلق عليه عبثا لقب عملاق الستة آلاف وتسعمائة وتسعة
وخمسون مترا، فهو أحد أكثر الجبال التي تسببت بحالات الموت.
سعوا على الأربعة كالمواشي يحاولون القيام بعمل متعب لا
يرغبه أحد وهو تسلق أعالي الجبال نحو القمم. يعتبر رامون من المسؤولين
الأوائل عن هذه المغامرة، وهو يشكل جزءا من مشروع محاكاة المستحيل،
الذي نسعى فيه إلى التحليق بالأجنحة من قمة أكونكاغوا.
قبل القيام بالتحليق النهائي من القمة رأينا من المناسب
القيام بتجربة مسبقة. أراد القبطان غيرمو التعرف شخصيا على الظروف
السائدة في منطقة التحليق، وهكذا حملنا الأجنحة إلى المكان المناسب، في
منتصف الطريق إلى القمة، لنفردها هناك.
لم يستطع رامون وغيره ممن بقينا جالسين على الجبل، إخفاء
الغيرة أثناء مراقبة غيرمو وأنطونيو يستمتعان بتحليق فريد من نوعه.
والأسوأ من ذلك أنهما خلال دقائق معدودة سيكونان في المخيم يأخذان قسطا
من الراحة، ليبقى أمام الآخرون مسيرة طويلة. ولكن ليس بالضرورة أن يكون
مصير المشاة أسوأ من المجوقلة باستمرار، خصوصا عندما نأخذ بالاعتبار
بعض مدرجات الهبوط.
من حسن الحظ أن أضرار الركاب اقتصرت على بعض الإصابات
البسيطة. أما حظ الأجنحة فكان أسوأ بكثير إذ أنها لم تحد صالحة.
بعد هذه الخطة البدائية الممزقة كالأجنحة قررنا على الأقل أن
ندوس قمة أكونكاغوا على الأقل.
أبدينا استعدادنا أيضا للمساعدة في إيصال أجزاء من دراجة
إنكو الذي أعلن عن رغبته المدهشة في النزول من القمة راكبا دراجته.
استطعنا من كاناليتا، أن نطل على السفوح الجنوبية
لأكونكاغوا، حيث تقع إحدى أعظم الجدران الصخرية الهائلة في التاريخ.
إنه جدار بالغ الأهمية لرامون، فقد استطاع تسلقه بعد محاولة خطيرة
وضعته على شفير الهاوية. على الجدار الجنوبي لأونكاغوا اختفى صديق عزيز
علينا جميعا. فليكس دي بابلو.
ربما كان فيليكس هو أكثر شخص نتذكره عندما نلامس نصب
الألمنيوم الخشن هذا الذي رفع عند أعلى قمة في أمريكا.
سبق لرامون أن تأمل آسيا وأمريكا من أعلى قمم فيها عندما قرر
أن يكرس جهده الكامل لتسلق القمم الخمسة الباقية أمامه. إنه مشروع
يتطلب القيام برحلة حول العالم، بتسلق سبع قمم في القارات الستة.
رامون:
ذهبت أولا إلى كلمانجارو في كانون الثاني يناير من عام ثلاثة
وتسعين. كان صباح جميل نسبيا ولكنه مزدحم بالجليد. تمكن رامون ورفاقه
الثلاثة من التأمل في حيوية القارة الأفريقية من أعلى قمة فيها.
قادهم الدليل ماساي عبر طرقات تحيط بها الكائنات البرية التي
لا يمكن رؤيتها إلا في القارة السوداء.
تقضي العادة في هذه الأماكن أن يطلب المتسلق ما يريده فتلبي
السلطات مطالبه. وهكذا تحولت بعثة رامون الصغيرة إلى ما يشبه طبق لعدة
طهاة ودلائل وحمالين. ولكنهم على الأقل اتفقوا على الطريق المفترض
اتباعه وهو طريق ماشاما، على اعتبار أنه أكثر اعتمادا من المعتاد.
يتم الجزء الأول من التسلق عبر غابة منعزلة نائية.
عندما تخطينا علو الثلاثة آلاف متر تراجعت الغابة فاسحة
المجال أمام نباتات اللوبيلية وهي نبتة حولية تميز هذه المنطقة.
أثارت دهشتهم الحدود التالية التي واجهتهم. من غير المعتاد
أن تصادف الجليد في كليمانجارو على ارتفاع أربعة آلاف ومائتي متر فقط.
لهذا لم يحملوا معهم المعدات اللازمة في هذه الحالات. كانت طبقة الجليد
التي اتبعوها بالغة الصلابة، ما أثار بعض الخوف أثناء الصعود.
ولكن مع توفر حسن الطالع والتكتيك وبرودة الأعصاب، تمكنوا من
الوصول إلى أطراف فوهة بركان كيليمانجارو. شالوا في تلك المنطقة حتى
بلغوا الخمسة آلاف وثمانمائة وخمسة وتسعون مترا التي تحدد أعلى نقطة في
القارة الأفريقية.
رامون:
طالما أردت الذهاب إلى ماكنلي. إنه جبل الشمس في منتصف
الليل. إنه جبل لفت انتباهي قبل فترة طويلة من مشروع القمم السبعة.
تعتبر ألاسكا منطقة مميزة، خصوصا لصلابة جبالها، وإنارتها طوال أربع
وعشرين ساعة في اليوم، فيها برد قارس، والمناظر الخلابة فيها هي الأكثر
فرادة في العالم.
معلق:
يقال في كتب الجغرافيا أن أكونكاغوا هي الأعلى في القارة
الأمريكية. لهذا فإن ضم ماكنلي وهو أعلى جبل في أمريكا الشمالية، يكمن
في عدة أسباب، أهمها هو أن اثنان من المتسلقين الأمريكيين هما، ديك
باس، وفرانك ويلز، أول من أطلق مشروع القمم السبع. أضف إلى أنه يعتبر
متاخما للدائرة القطبية المتجمدة، التي يعتبرها البعض قارة، معه أنها
في الواقع بحرا متجمدا.
على أي حال يعتبر تسلق ماكنلي تحديا قاسيا يثير الحوافز.
تشمل الستة آلاف ومائة وأربعة وتسعون مترا نوعا من العزلة والجمال
البري الفريدين. بالإضافة إلى مجازفات وأخطار تجعل من تسلقه عملية
بالغة التعقيد.
لا يقل الانحناء المتوفر لبلوغ القمة عبر الطريق العادي عن
أربعة آلاف ومائتي متر. هذا ما يتطلب مسيرة مضنية يتعرض المتسلق فيها
إلى الأخاديد والانهيارات والعواصف الواردة. كل هذا وسط برد لا يحتمل،
وإنارة مستمرة، تثير المشاكل في النوم، كل هذه عوامل تزيد من مشقة
الصعود.
ولكن الحظ حالف رامون من جديد، فقد تمكن من بلوغ قمة ماكنلي
بمفرده عن طريق ويست ريب. عندما أطل رامون من أعلى تلك القمة شاهد ما
وراء المناظر النقية المحيطة بالقمة، بل اعتقد أنه توقع ما خلف حدود
المحيط الهادئ حيث يقع هدف رحلته التالية.
رامون:
السفر إلى إندونيسيا للوصول إلى إريان جايا في بابوا غينيا الجديدة
هو أشد ما يثير الدهشة في مشروع القمم السبع.
معلق:
يقع هرم كارستينس، في الجانب الإندونيسي من جزيرة بابوا
غينيا الجديدة، وهو أعلى جبل في أوسيانيا، غذ يبلغ ارتفاعه خمسة آلاف
وتسعة وعشرون مترا.
رامون:
أكثر ما أتذكره من رحلة كارستينز هو التعايش مع أبناء
الدانيس. إنها أشد التجارب إثارة في حياتي. كانت قبائل الدانيس قبل
ستون عاما فقط من آكلات لحوم البشر. يسير أفرادها عراة إلا من قرعة
يغطون بها أعضائهم التناسلية. تعيش هذه القبائل على الطريقة التي كان
يعيش فيها الكائن البشري قبل عشرة آلاف سنة. وقد رافقاني طوال المسيرة
نحو الجبل، والحقيقة أنهم كانوا أشبه بدليل للجبل.
بعد الخوض في أدغال منيعة دخل رامون ومن معه من حملين دانيس
إلى منطقة موحلة يصل فيها الوحل إلى مستوى الكعب، دون أن يتوقف المطر.
دهش الغريب طوال الطريق من مستوى تأقلم مرافقيه مع الأجواء. ولكن هذا
التأقلم لم يبلغ حد المناعة ضد بعض قوى الطبيعة. ما أحزن رامون هو أن
يشارك في مراسيم موت أحد شبان الدانيس، الذي تأثر بالتهاب رئوي ناجم عن
الارتفاع.
وصل رامون برفقة هؤلاء الرجال من العصور الحجرية إلى قاعدة
أعلى جبل في أوسيانيا.
لا يتضمن تسلق جبل كاسترنس عبر الطريق الطبيعي الكثير من
المصاعب التقنية، ولكن هطول الأمطار المستمرة جعل المنحدر طريق منزلقات
خطيرة. وخصوصا في بعض المناطق المسطحة.
رافق المطر وحده رامون حتى وصل إلى أعلى قمة في همالايا
والأنديس. كما كتب هارير أول من صعد إلى هناك عام ألف وتسعمائة واثنين
وستين.
رامون:
تمكنت بمساعدة الأصدقاء من الحصول على راع، وسافرت ليلة
الميلاد من عام ثلاثة وتسعين إلى آخر القارات، التي تعتبر أكثر القارات
غموضا وسحرا في آن معا.
معلق:
أنتارتيدا، أراضي أستراليا الخرافية المجهولة، حيث تتعايش
أشد الأجواء تناقضا على الأرض. إنه المكان الأشد مناعة وقسوة في
العالم، حيث تصبح الحياة أشد صعوبة. ومع ذلك فإن البحر الذي يحيط بها
غني بالحيوانات والكائنات البحرية المتنوعة جدا. وخصوصا في شبه الجزيرة
القطبية،وهي المنطقة الوحيدة الخالية من الجليد في جميع أرجاء
أنتارتيدا.
أما الباقي فهو أشبه بمخزون لمليارات ومليارات الأطنان من
الجليد التي تشكل الصحراء الأشد برودة وعزلة مما يمكن أن يتخيله
الإنسان في المناطق القاحلة.
وكأن الجبال وحدها استطاعت التخلص من براثن الجليد، ويبدو أن
جبل فينسون هو أعلى ما فيها، إذ يبلغ أربعة آلاف وثمانمائة وسبعة
وتسعون مترا، وهو جزء من سلسلة إلسورث، حيث تنتصب أعلى جبال أنتارتيدا،
ما زال الكثير منها مجهولا لم يتسلقه أحد، وحتى لم يسميه أحد.
طائرة الوكالة الوحيدة التي تستطيع الهبوط في جبل الجليد هذا
هو آخر اتصال مع العالم المتحضر، لكل من يريد الخوض في أنتارتيدا.
قرر رامون ألا يبدد لحظة واحدة، فبدأ يتلق فينسيون بمفرده،
ما ينم عن مجازفة كبيرة، ذلك أن وصول النجدة سيكون صعبا. وضع كل ما
يحتاج إليه في التسلق داخل الزحافة التي يجرها، وهي رفيقته الوحيدة في
مواجهة رياح بطعم الجليد، ما يعجل إحساسه بضرورة التقدم في مناطق
الغير، التي تختلف كليا عن باقي أرجاء الكوكب.
تهتز الجبال المحيطة به وكأنها هياكل أماكن كانت في الماضي
بساتين خضراء قادها تشقق القارات إلى أطراف الكوكب ليحرمها من الحياة.
هذا الاختلاف الكامل عن باقي أرجاء الكوكب هو ما يجعل من تسلق فينسيون
تجربة فريدة تختلف عن جميع المغامرات الأخرى.
أثناء تقدمه، كان الإحساس الغريب الذي يخترق دماغه أشد قوة
من البرد، وأشد كثافة من بياض الثلج، إنها النظافة التي يبدو أنها
تسيطر على المحيط. بدت خطواته وكأنها الأولى والوحيدة التي يقوم بها
كائن بشري في هذه الصحراء الجليدية.
العزلة في أنتارتيدا لا تقتصر على المشاعر، بل هي قارة
بكاملها.
إنها شيء لا يمكن فهم كل روائعه وأعماقه المخيفة إلا من أعلى
قمة فيه.
رامون:
قررت الذهاب إلى جبل إلبروس الأخير في فصل الشتاء، حيث
الظروف أشد قسوة، كالبرد القارس، ولكن بعد ما عشته من عزلة في
أنتارتيدا لم أعد أحب الذهاب في فصول كالربيع أو الصيف، حيث يتعرى
الجبل من جلالته.
معلق:
قبب بيزنطية وأصداء نصب محنطة من بقايا الاتحاد السوفيتي
السابق، أحاطت جميعها برامون أثناء مروره من ساحة موسكو الحمراء. كي
يتسلق أعلى جبل في أوروبا أجبر على السفر إلى روسيا وليس فرنسا كما
تنصح كتب الجغرافيا القديمة.
مشروع القمم السبع هو الذي دفعه للدراسة والتأكد مما إذا
كانت إلبروس هي أعلى قمة في أوروبا أم قمة مونت بلانك التقليدية.
وهكذا تبين أن إلبروس تنفصل أحد عشر كيلومترا نحو الشمال عن
خط المياه الفاصل لسلسلة جبال القوقاز. هذه الحقيقة، كما أنه يصب جميع
كتله الجليدية نحو الشمال، تؤكد أن هذا البركان هو أعلى جبل في أوروبا،
إذ يبلغ ارتفاعه خمسة آلاف وستمائة واثنان وأربعون مترا.
بعد مسيرة دامت أربع ساعات، وصل رامون إلى بيرويت أحد عشر،
وهو ملجأ هائل شيد على علة أربعة آلاف ومائتي متر. يمكن مكن هناك رؤية
قمتي إلبروس. تتفوق الغربية بعشرين مترا عل الشرقية. هذا هو الهدف
الأخير. إنه حلم أخذه في جولة حول العالم، وكاد ينتهي في تحد أخير
يأخذه إلى سقف أوروبا.
في اليوم التالي خرج رامون من عزلة ملاذه لمتابعة الجزء
الأخير من مغامرته. حول البرد القارس والرياح تسلق الإلبروس إلى معاناة
حقيقية منذ خطواتها الأولى. لم تشأ أعلى قمة في أوروبا أن تكرمه، فكانت
عملية التسلق بالغة الصعوبة.
إنه آخر أيام الشتاء. وأخيرا نجح في الوصول، إنه أول إسباني
يتسلق القمم السبع.
ربما كان هذا سبب شعوره بشيء من الارتباك.
وهكذا أعلن رامون نهاية حلمه في القيام بجولة حول العالم، من
قمة جبل إلى أخرى.
رامون:
لا شك أن هذه الجبال ليس أجمل أو أصعب جبال تسلقتها، ليست
إلا أعلى جبال في القارات. مفهوم الجبل الجميل هو الجبل الأشد مناعة،
كما هو حال جبل سيرو توري، الشبيه بالإبرة الجميلة في باتاغونيا.
معلق:
عادة ما يشعر رامون بالجاذبية في لعبة الجبال تجاه القمم
العالية، والرشيقة، والمنتصبة، والمنيعة. كما هو حال جدران قمة سيرو
توري، التي تعتبر مثال نموذجي عن الصعوبة. أو الجانب الشمالي من جبال
الألب الملقبة سيرفينو أل إيغير.
وقد بذل فيها كل جهوده وبراعته حتى وصل إلى ما حقق له
الشهرة كمتسلق واسع النطاق. لقد تسلق جبال الثمانية آلاف، حيث فقد على
الطريق عدد من أعز رفاقه. يمكن أن نشبه حياته بحياة البدوي المعاصر
يتنقل من قمة جبل إلى أخرى.
أهم اكتشافاته ما تبين حوله من كنوز أثناء التسلق، عبر ما مر
به من سهول وأنهر وبشر. وقد سره جدا أن تكون بعيدة عن عبث الحضارة
والمدنية.
رامون:
من المحتمل أن يكون جبل كاف الثاني هو أكثر ما أحببت، لأنه
أشد الجبال التي جربتها صعوبة، فبعد أربع محاولات لم أتمكن من بلوغ
القمة. إنه جبل أساء معاملتي جدا. ربما كان هذا هو السبب في محبتي لها.
معلق:
ربما يختصر هذا الحب شبه الجنوني لجبل كاف الثاني، أو جبل
الجبال كما يسمونه أحيانا، ربما يختصر ما يدفع الإنسان إلى مواجهة
الجبال. مرت عدة سنوات وعدة قمم بعد محاولة التسلق الأولى بحبل
الستائر، وما زال هناك شيء واحد على حاله، وهو أن تسلق الجبال سيبقى
دائم الانفتاح على المخيلة، وحب المغامرة. --------------------انتهت.
إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2014م