|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
مصر تحتج
مجدى خليل
تطور طبيعى فى التدهور مرت به مصر حتى هذه اللحظة، من الفهلوة
والمحسوبية والتوريث إلى العنف والبلطجة وسياسة الذراع الأقوى إلى
الفوضى والإرهاب،القاسم المشترك فى كل هذه الظواهر هو غياب دولة
القانون أو اختفاء القانون العادل أو سوء استخدام القانون. وعندما تعم
الفوضى يقاس نفوذ الفرد بمدى خروجه على القانون أو فرض قانون الغاب
المتمثل فى البقاء والنصر للأقوى.المؤسف أن النظم السياسية المتعاقبة
كانت عاملا أساسيا فى خلق هذه الظواهر وفى معظم الحالات تعمدت خلقها من
آجل مصالح سياسية ضيقة.
ونحن نسعى لبناء دولة مدنية حديثة عادلة بعد ثورة 30 يونيه علينا أن
نراجع دور الدولة فى هذا الخراب الذى حل بمصر، وقد تمثلت خطايا الدولة
فى عدد من السياسات التخريبية منها:-
•
خلق التيارات المتطرفة
تورطت الدولة المصرية مبكرا فى خلق الجماعات الإسلامية فى الجامعات على
يد السادات وكذلك الافراج عن الاخوان والترحيب بعودتهم من الخارج ، ثم
توسيع مشاركتهم وحريتهم فى الشارع والنقابات والبرلمان
والجامعات وفى استغلال المساجد فى عهد مبارك، وجاء حبيب العادلى وساهم
فى تضخم الظاهرة السلفية لمواجهة الاخوان، ومن ثم فأن الدولة وأجهزتها
شريك أساسى فى خلق وتوحش ظاهرة الإسلام السياسى.
•
المزايدة على التطرف
لم تكتف الدولة المصرية بخلق وحش التطرف الدينى ولكنها ساهمت فى خلق
مناخ يجعل من الإنسان العادى متطرفا بالمزايدة بالدين، وتضخم البرامج
الدينية والصفحات الدينية فى الصحف والمجلات، والتوسع فى المناسبات
الدينية والمنابر الدينية،وخلق نجوم التليفزيون من الشيوخ الأصوليين
من الشعراوى إلى عمر عبد الكافى إلى خالد الجندى،وهكذا تحول الهوس
الدينى إلى تطرف بغيض ثم إرهاب خطير.
•
تعميم المحسوبية
من أهل الثقة مفضلين على أهل الخبرة ،إلى شبه استحالة الحصول على وظيفة
بدون واسطة، إلى التمييز الدينى والطبقى والجغرافى والنوعى، إلى شيوع
النفاق والفهلوة طريقا للترقى والمزايا والمكافأت... وهكذا تم تعميم
المحسوبية وتقزيم دور الكفاءة إلى اقصى مدى حتى اصبح النجاح عبء على
صاحبه لكثرة المحاربات وشيوع ثقافة التربص والنميمة والحقد ووضع
العراقيل وتملق الرؤساء.
•
انتشار التوريث
لم تصبح المحسوبية سلوكا عاما فحسب بل اصبح التوريث فى كافة الأمور
نمطا شائعا ،وقد أدى ذلك إلى شبه غلق لوظائف مهمة على عدد محدود من
العائلات وانجالهم،وبالطبع ترتب على ذلك حرمان عدد كبير من الناس من
تحقيق احلامهم فى وظيفة معينة رغم كفاءتهم فى مجالهم،كما أدت المحسوبية
والتوريث إلى تراجع الحراك الاجتماعى الناتج عن التعليم،كما تراجعت
بشكل كبير كفاءة المؤسسات التى تسمح بتوريث عائلى واسع،كما أنها جعلت
كثيرين يتخلون عن الاجتهاد لصالح الوظيفة المتوارثة المضمونة.
•
مأسسة الفساد
بلا شك أن الفساد فى مصر اصبح اخطبوطا خلقته الدولة وترعاه قطاعات
واسعة من الناس حتى بات مطلبا شعبيا عند شريحة ضخمة من المواطنين لا
يتخيلون المعيشة بدونه، وقد شكل الفساد نسبة عالية من دخل جمهور واسع
من الناس، وقد بدأ الفساد فى القطاعات الحكومية وانتشر كالسرطان إلى
كامل الجسد المصرى، وهناك شبه اتفاق صامت بين الدولة والمواطن بأننا لا
نستطيع الوفاء بمتطلبات الحياة لك وعليك أن تتصرف خارج القانون لكى
تعيش وتتمتع بالحد الأدنى من الخدمات الإنسانية، وهكذا خلقت الدولة
قانون النهب المتبادل بين المواطنين وبعضهم البعض... ولكن هذا يشكل
ظلما فادحا للقلة الشريفة أو التى لا تستطيع أن تفسد حتى ولو رغبت فى
ذلك ،كما أنه أدى إلى توزيع مختل كالهرم المقلوب للثروة ومعها النفوذ
الاجتماعى، فالطبيب أو الباحث العلمى الذى افنى حياته فى العلم
والتحصيل اصبح فى ذيل القائمة فى حين اصبح دخل موظف بسيط فى السجل
المدنى أو المحليات أو شباك التذاكر فى محطة القطار عدة اضعاف دخل هذا
الطبيب المسكين، وقد أثر ذلك بشدة على منظومة القيم والاخلاقيات ونفوس
البشر ووضع الطبقات، ولعل عصر حسنى مبارك تميز بتوحش ومأسسة الفساد حتى
صارت اكبر مؤسسة فى مصر حاليا هى مؤسسة الفساد.
•
تربية البلطجية
احد جرائم الدولة،خاصة عبر جهازها الأمنى، هو تربية البلطجية للإستعانة
بهم فى الأنتخابات وضد المتظاهرين السلميين،وكذلك فى مهام خاصة بالأمن
فى الحوارى والنجوع ،حتى تضخم عددهم واصبحت هناك مهنة تسمى بلطجى، ليس
هذا فحسب بل أن البلطجى ،ومن خلال علاقته بالأمن والتى جعلته يفلت من
العقاب ،ارتكب هو بلطجة خاصة به لمزيدا من الدخل أو السطوة والنفوذ فى
منطقته. واتجهت جماعات سياسية أخرى مثل الاخوان وغيرهم إلى توظيف
البلطجية فى الانتخابات والمظاهرات وممارسة العنف، وهكذا توسع نطاق
البلطجة وتطورت الجريمة تحت سمع وبصر الجميع ودفع المواطن المسالم ثمن
خلق هذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة.
•
غياب العدالة الاجتماعية وتسريع السخط
لم تهتم الحكومات المتعاقبة بالعدالة الاجتماعية حتى اتسعت الفجوات
بشدة بين الطبقات وظهرت طبقة واسعة من الساخطين على احوالهم، وأكثر
المجموعات التى استفادت من هذا السخط هى تيار الإسلام السياسى،فقد
استفاد بتجنيد بعض هؤلاء الساخطين لصفوفه وعمل كذلك على تنمية وتضخيم
السخط لديهم، واشترى ذمم البعض الآخر من هؤلاء الساخطين،واصبح الإسلام
السياسى يوظف هؤلاء فى كافة المهام التى يريدها من التصويت فى
الأنتخابات إلى العنف والإرهاب.
•
الفساد السياسى واحتكار الشلة
مرض آخر من أمراض السلطة ظهر فى العقود الأخيرة من عهد مبارك وهو
احتكار شلة من الأصدقاء والعائلات لمعظم المناصب السياسية الهامة،
وتزامن مع ذلك مرض آخر وهو الفساد الأقتصادى واحتكار القلة،وقد أدى ذلك
مع غياب العدالة الاجتماعية إلى ارتفاع درجة الغليان فى الشارع وتسارع
الحقد والكراهية بين الطبقات واحساس المواطن العادى أن الوطن لا يخصه
ولكنه مخطوف من شلل معينة، والخطير تزامن ذلك مع مرض سلطوى ثالث وهو
الجمود السياسى المزمن مع العند السيكوباتى واحتقار الرأى العام، مما
جعل العلاقة بين الفرد والسلطة تتجاوز الخصومة إلى العداوة.
•
الاحتواء الأمنى وإضطهاد المستقلين
هذه ظاهرة شديدة السوء نمت حتى توحشت فى مصر، وهى مطاردة الأجهزة
الأمنية للعاملين فى العمل العام للتعاون معها بدرجة أو بأخرى ، وربط
العديد من الوظائف والمزايا بهذا التعاون ودرجته،والخطير هو اعتبار
الشخص المستقل عدوا للأجهزة وعدوا للدولة ، فقط لأنه اختار الاستقلال
وإرضاء ضميره الوطنى والاخلاقى، ويصبح هذا المستقل كأنه شخص اجرب فى
المجتمع يوضع فى لست توزع على المؤسسات ووسائل الإعلام لتجنبه وإضطهاده
أو عند الحد الأدنى تجاهله واعتباره غير موجود مهما إن كانت
كفاءته....توسيع تقييم الأفراد من خلال علاقتهم بالأمن حول معظم
الشخصيات العامة إلى ارجوزات تحركهم هذه الأجهزة أينما وكيفما شاءت،
وجعل كذلك الدولة المصرية فى أواخر عهد مبارك تصنف على أنها دولة أمنية
مخابراتية بوليسية بأمتياز.
•
الظلم الطائفى والإفلات من العقاب
هذه سمة أخرى وجريمة أخرى من جرائم الدولة المصرية وهى الظلم الدينى
الفادح الواقع على غير المسلمين فى كافة المناحى،والاخطر تكريس سياسة
الإفلات من العقاب فى الجرائم الطائفية ضدهم مما أدى إلى تشجيع الجريمة
ضد الأقباط خصوصا ، وتحول المسلم العادى البسيط فى القرى والنجوع وفى
الصعيد إلى وصى على جاره القبطى يراقب صلاته وكنائسه، بل وساعد ذلك على
تنمية العنف الدينى الجماعى الهمجى.... واستمرار هذا الوضع هو تخريب
لوحدة الدولة وتماسك نسييجها الوطنى.
•
سقوط دولة القانون
فى كل ما ذكرت لا تقل أين هى دولة القانون ولا سيادة القانون،فبين غياب
القانون العادل وسوء تطبيق القانون أو عدم تطبيقه كلية، سقطت بالفعل
دولة القانون فى مصر وباتت الدولة المصرية تعيش على اطلال قانونية لا
تغنى ولا تسمن، وبدون قانون عادل يحقق المساوأة على أساس المواطنة
وتطبيق هذا القانون بعدل بين الناس من خلال قضاة مؤهلين ومستقلين فقل
على أى دولة السلام، فمن المستحيل تقدم أى دولة فى حالة غياب القانون
وسيادته.
•
فجوة الآمل
كل هذه الأعراض وسعت فجوة الآمل عند المواطن واصبح مجرد الحلم بالتغيير
ترفا، حتى جاءت ثورة 25 يناير التى اختطفها الاخوان ثم ثورة 30 يونيه
التى اعادت الحقوق لاصحابها، عندها قفز الآمل عائدا للنفوس،ولكن بدون
القضاء على هذه الخطايا الكبرى التى ذكرناها ستتسع فجوة الآمل مرة
أخرى محملة بالمرارة واليأس والرغبة فى الأنتقام ، والأهم لن تتقدم مصر
للأمام مطلقا فى ظل هذه الجرائم التى ترتكبها الدولة ، بل ستغرق فى
الفوضى والإرهاب والتشرذم والتدهور الاقتصادى لسنوات طويلة. --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2013م