لغتنا تواكب العصر

خرائط تتغير باستمرار: كردستان نموذجاً

البلاد العربية   الجمعة ,26/04/2013 محمد نور الدين   من أبرز نتائج الحرب العالمية الأولى تقسيم الدولة العثمانية وبالتالي المنطقة العربية إلى كيانات متعددة وفقاً لاتفاقية سايكس  بيكو الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا، بعد أن خرجت روسيا منها .   ولعل المصير الذي انتهى إليه شمال العراق، وخصوصاً المنطقة الكردية ومنع بريطانيا إبقاءها داخل الحدود الجديدة لتركيا وإخراجها من حدود العراق، هو مثال على دور النفط في رسم حدود الكيانات الجديدة . ذلك أن بريطانيا كانت تريد أن تستفيد من نفط الموصل- كركوك  فأبقتها داخل العراق الذي كان من حصتها التقسيمية .   أدى عامل النفط إلى نتيجة أخرى وهي الفصل بين الأكراد أنفسهم إلى قسم كبير يقع في جنوب شرقي تركيا أو ما يسميه الأكراد كردستان الشمالية وقسم في شمالي العراق .   قبل أيام أشارت الأنباء إلى وقوع قتلى كثر بين عشائر وبين مسلحين تابعين للمعارضة السورية بسبب خلاف على الاستفادة من  نفط أحد الآبار النفطية في منطقة دير الزور حيث لا سيطرة للدولة المركزية السورية . هذا نموذج مصغر جداً لما يمكن أن يفعله النفط من صراع بين الأفراد أو العشائر والمجموعات، فكيف يكون الحال إذا طال دولاً بكاملها؟   وكما كان النفط عاملاً في تقسيم الأكراد بين تركيا والعراق وسوريا، فهاهو اليوم  ربما يكون عاملاً في إعادة توحيدهم أو التقارب بينهم . وكما كانت المصالح الغربية وراء توزيع الأكراد على دول أربع بعد الحرب العالمية الأولى، هاهي المصالح نفسها تقتضي محاولة إعادة لم الشمل الكردي . وكما كانت النزعات القومية المتشددة وراء السياسات الإنكارية للهوية الكردية، فإن مصالح هذه القوميات الكبرى ولاسيما في تركيا هي الآن وراء التخفيف، النظري حتى الآن، من حدة الخطاب العنصري ضد الأكراد والاستعداد غير المؤكد بعد لمنح الأكراد بعض حقوقهم .   لقد تغير المشهد العربي والإقليمي وإلى حد ما الدولي بعد العواصف التي هبت على المشرق العربي تحديداً . إذ غزا الأمريكيون العراق وأنتج غزوهم أول تغيير في خريطة سايكس  بيكو مع ظهور العراق الفيدرالي فكانت الفيدرالية الكردية . وتلا ذلك تغيير آخر أكبر وهو تقسيم السودان إلى دولتين .   لكن الفيدرالية الكردية ذات علاقة جدلية مع مكوّنات مجاورة لها في المنطقة، خصوصاً مع أكراد تركيا وأكراد سوريا، على اعتبار أن لأكراد إيران حالة مختلفة عن نظرائهم في الدول الثلاث الأخرى من دون نفي تأثرهم بما يجري لدى أقربائهم .   لقد أسفر الربيع العربي حتى الآن عن تغييرات في توازنات القوة مهمة وخطرة . فالصراع في سوريا وعلى سوريا، والاستقطاب الحاد بين القوى والدول المؤثرة إقليمياً ودولياً، جعل البحث في تغيير الخرائط أمراً ضاغطاً من أجل كسب المعركة النهائية على سوريا والمنطقة . من هنا هذا السعي التركي لإخراج حزب العمال الكردستاني من أن يكون عاملاً مربكاً لحركة تركيا الإقليمية، وبدء عملية المفاوضات بين الدولة التركية وعبدالله أوجلان زعيم الحزب المعتقل في جزيرة إيمرالي التركية .   إن النجاح في حل المشكلة الكردية في تركيا سينعكس حتماً على وضع ومستقبل أكراد سوريا نظراً إلى التجاور الجغرافي من جهة وتلاشي الحدود بين تركيا وسوريا بسبب الفوضى الحاصلة في سوريا، ونظراً لكون القسم الأكبر من الأكراد السوريين يؤيدون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري المؤيد لحزب العمال الكردستاني، وبذلك يمكن لتركيا أن تقلب المعادلة مع الأكراد لمصلحتها وضد خصومها .   أما في علاقة تركيا مع شمالي العراق الكردي فيعود بنا البحث إلى العامل النفطي، حيث إن اكتشاف احتياطات كبيرة هناك من النفط والغاز الطبيعي يتيح لتركيا، في حال نسجت تحالفاً اقتصادياً مع شمالي العراق، تأمين معظم احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي وبالتالي فك تبعيتها لكل من إيران وروسيا، خصميها الآن في الصراع الإقليمي والدولي، واللتين تؤمنان أكثر من ستين في المئة من احتياجات تركيا النفطية .   يتغير المشهد الإقليمي والدولي وتتغير الخرائط، وكما تتعرض الخرائط الآن للتبدل، فلا أحد يدري متى أيضاً ستتغير في اتجاهات أخرى وربما معاكسة، بحيث تستفيق المنطقة على كردستان الكبرى .   http://www.alkhaleej.ae/portal/57c6cc9f-782b-4c8c-9ce7-87c9be3344fe.aspx --------------------انتهت.