الياس سحاب
في مرحلة ما قبل
اوسلو، بل ربما في مرحلة ما قبل رحيل المقاومة الفلسطينية عن بيروت،
واستقرارها في
تونس، كان ياسر عرفات يكرر بين الحين: «أعطني شبراً واحداً من الارض في
فلسطين،
لأنطلق منه لاستعادة فلسطين كلها».
ومع «اتفاقيات اوسلو»، بدا كأن عرفات قد حصل
على ما كان يطالب به، لكن الظروف تطورت سنوات طويلة لتثبت أن "الشبر"
قد بقي شبراً،
بل أخذت مساحته، بدل أن تزداد، تتراجع وتتآكل، حتى رحل ياسر عرفات
مسموماً، وتحول
الشبر من بعده، كما هو اليوم، الى قضية بحد ذاتها، بل الى قضية فلسطين
نفسها،
فأصبحت القضية تنحصر في مجرد الاحتفاظ بالسلطة على هذا الشبر.
إن من يراجع
تفاصيل الزيارة الاخيرة التي قام بها وزير خارجية اوباما الجديد جون
كيري الى
فلسطين المحتلة بشقيها، يجد ما يلي:
1-
بالنسبة لرئيس وزراء إسرائيل، فإنه أعاد
التأكيد على الاهداف الصهيونية النهائية التي لا بد من تحقيقها، ولا
مجال للتنازل
عن أي منها بالمفاوضات مع الفلسطينيين. فإذا بالمحصلة العامة لهذه
الاهداف لا تقضي
فقط بإلغاء كامل لأصل الجريمة التي وقعت في العام 1948، بل تضيف الى
ذلك مجموعة من
المكاسب التي لا تعني في النهاية سوى الصعود بمكاسب الاحتلال المتجدد
في العام
1967،
الى ذروة عالية، تلغي أي حقوق بل أي وجود سياسي حقيقي لشعب فلسطين. من
ذلك
مثلا، عدم إدراج البحث بموضوع المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية
في إطار
المفاوضات اذا استؤنفت. وعدم التنازل عن حق اسرائيل بالسيطرة، مع أي حل
نهائي قد
تصل اليه المفاوضات، سيطرة عسكرية كاملة على منطقة الأغوار، التي يفترض
انها ستشكل،
اذا اقيمت الدويلة الفلسطينية، حدودها الشرقية الدولية مع الاردن، بل
مع العالم
كله.
كذلك، يرفض نتنياهو ان يجري البحث في اي مفاوضات مقبلة بأي موضوع يقترب
من
تحول القدس الموحدة الى عاصمة ابدية لإسرائيل.
ليست هذه كل أهداف وأغراض
الصهيونية المعلنة، من اي مفاوضات يتم إجراؤها، بل وجوب فرض الاعتراف
بإسرائيل دولة
يهودية، على الجانب الفلسطيني، قبل منحه اي شيء.
فإذا اضفنا الى هذه الطلبات،
الطلب الاسرائيلي القديم - الجديد القاضي بإنهاء الحديث نهائياً عن حق
العودة
للفلسطينيين (الا الى اراضي الدويلة في أحسن الاحوال)، فإننا نرى ان
نتنياهو يكرر
بصراحة مطلقة ان هدف اسرائيل المضمر والمعلن، من اي مفاوضات يمكن ان
تجري مع
الفلسطينيين، هو الإلغاء الكامل لقضية فلسطين، أرضاً وشعباً وحقوقاً،
حاضراً
ومستقبلا.
2-
في مقابل هذه التصريحات بالغة الخطورة، فإن كل ما صدر عن جعبة وزير
خارجية الدولة العظمى، هو استعداد بلاده لمنح مساعدات اقتصادية للسلطة
الفلسطينية،
تساعدها على الاستقرار وعلى استمرار بسط نفوذها على ما تبقى من الضفة
الغربية.
3-
فاذا اضفنا الى نوايا هاتين الجهتين الرئيسيتين في المفاوضات
العتيدة، فإن اقصى ما تعلن عنه السلطة الفلسطينية، هو الاستمرار في
رجاء واشنطن
بالضغط على اسرائيل لاستمرار المفاوضات.
المحصلة النهائية والعامة لمجموع
تصريحات الاطراف السياسية الرئيسية الثلاثة، المعنية مباشرة بقضية
فلسطين، وإجراء
التفاوض حولها، هو التصفية النهائية لأساسيات القضية الفلسطينية، بحيث
تتحول هذه
القضية الى مجرد الإبقاء على استمرار السلطة الفلسطينية السياسي
والاقتصادي من دون
تحديد اي افق آخر للقضية.
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2447&ChannelId=58916&ArticleId=2255&Author=الياس
سحاب
--------------------انتهت.