|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
إني أتهمكم
:
كان على العصابات الصهيونية في منتصف مايو
1948 تنفيذ الشق المتفق عليه مع الكيانات العربية، والقاضي
بالقيام بعمليات عسكرية واسعة، تهدف للاستيلاء على المساحة
المحددة لها بحسب قرار التقسيم، وخصوصا بعد إنسحاب القوات
البريطانية عنها. وقد وضعت هذه العصابات لذلك خططاً أطلقت
عليها أسماء رمزية، وكان من بينها عملية (نهشون)، التي هدفت
إلى فتح طريق القدس - تل أبيب، وفك الحصار عن الأحياء اليهودية
في القدس، وقد خصص لهذه العملية خمسة آلاف من نخبة عصابات
الهاغاناه والبالماخ والأرجون وشتيرن. المزودة بأحدث الأسلحة
المستوردة من تشيكوسلوفاكيا، والحاصلة على دبابات خفيفة
وسيارات مصفحة كانت قد تركتها لها القوات البريطانية المنسحبة
من فلسطين. وما ميز عملية نهشون عن سابقاتها من العمليات، أن
هذه العملية إبتدأت مع بداية ظهور نقص كبير في العتاد والذخائر
لدى المجاهدين، بسبب تأثير حصار كيانات سايكس بيكو المفروض
عليهم. الأمر الذي جعلهم يقاتلون في مناسبات عديدة بالسلاح
الأبيض. وقد إستطاعت العصابات الصهيونية في هذه العملية وبعد
معركة عنيفة وحامية مع المجاهدين من إحتلال قرية القسطل صباح
يوم 3\4\1948. بعد أن نفذت كل الذخائر من أيدي المجاهدين، وبعد
أن طلب عبد القادر الحسيني من قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي
أن يمده بالعتاد فرفض القاوقجي ذلك. الأمر الذي كان سبباً
لمغادرة عبد القادر الحسيني إلى دمشق بمهمة إستغاثة أخيرة قبل
سقوط القسطل.
ومع وصول أخبار سقوط القسطل إلى عبد القادر الحسيني وهو يصرخ
ويطلب المساعدة، غادر دمشق على وجه السرعة متوجها إلى القدس.
ومن القدس توجه إلى القسطل بسرعة فوصلها ظهيرة السابع من
نيسان. والحقيقة أن قبل أن يقوم الصهاينة بعملية (نهشون)
كانوا قد حصلوا من حكام الكيانات، على تأكيدات في عدم تقديم
العتاد للمجاهدين، وعلى إلتزامات أخرى من بينها كشف خطط
المجاهدين أمام العصابات الصهيونية، والمساعدة في تقديم كل
أنواع المعلومات الإستخباراتية التي تحتاجها العصابات. لذلك
إطمأن الصهاينة لوضعهم العسكري وبدؤوا بعملية فتح الطريق
بإتجاه القدس، من خلال العمل على تدمير قواعد
الشيخ حسن سلامة التابعة للجهاد المقدس في الرملة. والحقيقة أن
المجاهدين دافعوا عن قواعدهم بإستماته، بعد أن إخترقت هذه
العصابات خاصرتهم بحماية كتيبة جيش الإنقاذ الموجودة في نفس
المنطقة، والتي كانت سابقاً قد رفضت دعمهم بأمر من القاوقجي
نفسه. وقد أثبتت الوثائق التي كشفت فيما بعد أن القاوقجي كان
قد أجري إجتماعات سرية مع قادة الهاجاناه الصهيونية للقضاء على
جهاد شعب فلسطين، فمثلا تذكر إحدى الوثائق التي تم الكشف عنها
أن في 1\4\1948 قبل سقوط القسطل بيومين، عن إجتماع تم سراً في
أحراش قرية نور شمس بين فوزي القاوقجي ويهوشع بالمون أحد قادة
الهاجاناة (أول رئيس للموساد في الكيان الصهيوني)، حيث أعطى
القاوقجي لبالمون جميع التفاصيل الإستخباراتية المتعلقة بوضع
المجاهدين العسكري، كما أمدهم بجميع المعلومات الخاصة في بعض
جبهات المواجهة، وخصوصا تلك الجبهات التي كان يعاني فيها
المجاهدين من نقص في السلاح والعتاد. وهذا ما أكدته البرقيات
المتتالية التي كان يرسلها عبد القادر الحسيني طالبا السلاح من
جيش الإنقاذ. كما كشف القاوقجي لبالمون الخطة العسكرية التي
أعدها المجاهدون لتحرير مدينة القسطل، معطيا بذلك فرصة سانحة
لإيقاع المجاهدين في كمائن قاتلة.
كان المستغرب في ذلك، أن يكون الرجل الذي زود العصابات في كل
المعلومات التي تحتاجها للقضاء على المجاهدين. هو نفسه قائد
جيش الإنقاذ الذي وضعته جامعة الدول العربية على رأس قواتها
التي شكلتها لدعم المجاهدين. والأغرب من كل ذلك أن يطلب
القاوقجي بالقضاء على عبد القادر الحسيني ورجاله، قائلا
لبالمون :" عليكم أن تعلموهم درسا لا ينسوه ". واعدا بالمون
بأنه سيمنع تقديم المساعدات العسكرية عن المجاهدين، وسيقوم
بالإنسحاب من الجبهات التي تحمي خاصرتهم، بعد أن ينفذ خططا
للخداع والتمويه خلالها. معطيا المجال للعصابات الصهيونية
محاصرة وإحتلال مواقع المجاهدين والمناطق المحيطة بها. ثم طلب
القاوقجي من بالمون أن يعطيه نصرا تمثيليا واحدا يستعين به
لإكمال تنفيذ مخططه. فرد عليه بالمون:" نحن اليهود لن نعطيكم
شيئا، وإن هاجمتنا كيفما كان، سنرد عليك بالأسوأ ". وقد أكد
حصول هذا اللقاء كذلك كتاب آه يا قدس، لدومنيك لابيري ولاري
كولنز الصادر في عام 1972م. حيث أكدا أن في هذا اللقاء الذي
عقد في 1\4\1948 تم توقيع إتفاقات سرية بين قائد جيش الإنقاذ
فوزي القاوقجي ويهوشع
بالمون. كما أكد كتاب حرب فلسطين الذي صدر عن جامعة كامبردج
عام 2001
حصول هذا اللقاء،
أي قبل مذبحة دير ياسين
بثمانية أيام،
وقبل إستشهاد عبد القادر الحسيني بإسبوع، وقبل عملية نهشون
الرامية إلى فتح طريق القدس تل أبيب بثلاثة أيام. كما أكد حصول
هذا الإجتماع آفي شلايم ، معتمداً على وثائق صهيونية وبريطانية
نزعت عنها السرية مؤخرا. ليستعرض إجتماعات تمت بين القاوقجي
وبالمون الذي يتحدث العربية بطلاقة، في غابة قريبة من قرية نور
الشمس، وإتفق بالمون مع القاوقجي على عدم تدخله في أي معركة
تقع بين الهاغاناه وقوات عبد القادر الحسيني. وبالفعل قامت
الهاغاناه بشن معركة كبيرة لفتح طريق القدس- تل أبيب، بعد ذلك
بثلاثة أيام أي في الرابع من نيسان تم أثناؤها تدمير مقر قيادة
عبد القادر الحسيني في رام الله. وبعدها كانت معركة القسطل
الشهيرة حيث هاتف عبد القادر الحسيني قائد جيش الإنقاذ فوزي
القاوقجي طالبا منه إرسال قوات مساندة، لكن القاوقجي الذي كانت
لدية ذخائر وأسلحة مكدسة من الجامعة العربية، إعتذر عن ذلك
زاعما أنه لا يملك أي سلاح، وكانت إستخبارات الهاغاناه قد رصدت
هذه المكالمة الهاتفية وتأكدت من إلتزام القاوقجي بالإتفاق
المبرم مع بالمون، كما أيقنت أن عبد القادر الحسيني ورجاله
يعانون من نفاذ الذخائر (حرب فلسطين: إعادة كتابة تاريخ حرب
1948
المؤلفان يوجين روغان
وآفي شلايم - 2001م-
كامبردج يونيفيرستي برس- كامبردج- المملكة
المتحدة- ص- 86). وإستمرت عملية نهشون من 4\4\1948 إلى
15\4\1948 حيث شق فيها الصهاينة بمساعدة جيش الإنقاذ العربي
والقيادة العامة العسكرية للجيوش العربية طريقهم الدموي نحو
القدس. وبعد هزائم متتالية سقط فيها عبد القادر الحسيني
والكثير من رفاقه المجاهدين، والتي لم يبخل القاوقجي فيها بشيء
على العصابات، من سحب أسلحة المجاهدين إلى المساعدة في قتل
قادة الجهاد ومقاتليهم، إلى المساهمة والتغطية للعصابات
الصهيونية في تنفيذ مذبحة دير ياسين، إلى الإنسحابات التي أدت
إلى تسليم القدس وكثير من المناطق الأخرى إلى الصهاينة.
وهكذا بعد أن تأكد عبد القادر الحسيني من تورط جامعة الدول العربية في
تسليم فلسطين للصهاينة، غادر دمشق قاصداً جبهة القسطل. وعند وصوله إلى
الجبهة عمد على الفور إلى إعادة تنظيم صفوف المجاهدين، وعين على
الميمنة في الجهة الشرقية المجاهد حافظ بركات، وعلى الميسرة من الجهة
الغربية الشيخ هارون بن جازي، وفي القلب شكل فصيلتان بقيادة إبراهيم
أبو دية بالإضافة إلى فصيلي إسناد في الجهة المقابلة، وفي موقع القيادة
شكل هيئة أركان بقيادته ومساعدة عبد الله العمري وعلي الموسوس. بدأ
الهجوم لإستعادة القسطل وفق خطة أعدها عبد القادر مع هيئة أركانه.
وبنيت هذه الخطة على أن تقوم قوات القلب وقوات الميسرة في إكتساح مواقع
العدو وإستحكاماته الأمامية، لكن تقدم هذه القوات كان صعبا وبطيئاً
بسبب كثافة نيران العدو الذي كان يعلم بخطة الهجوم من خلال فوزي
القاوقجي كما ذكرنا سابقاً، وما زاد في الوضع الحرج لقوات الهجوم قلة
الذخيرة لديها التي لم توفر لها الكثافة النارية المطلوبة لتغطية
الهجوم، الأمر الذي تسبب في أصابة قائد قوات القلب إبراهيم أبو دية مع
ستة عشر من رجاله بجراح. وأمام هذا الواقع المستجد وجد القائد عبد
القادر نفسه في مواجهة لا خياراً له فيها إلا الإنتصار. فأخذ بنفسه
زمام القيادة الميدانية والهجوم، وإندفع بنفسه لإقتحام المواقع
الأمامية للعصابات، وهاجم القسطل مع عدد من المجاهدين تحت وابل كثيف من
نيران الصهاينة. لكن مع طلوع فجر الثامن من نيسان كانت نيران العدو
تحيط به من كل الجهات. وحين وصل خبر تطويق عبد القادر، هب المجاهدون من
القرى المجاورة لمساعدته وكسر الطوق من حوله. وهكذا وصلت نجدات كبيرة
إلى القسطل كان من بينهم حراس الحرم القدسي الشريف. وعند الظهر تمكن
المجاهد رشيد عريقات من الإمساك بزمام القيادة. فأمر بتوجيه ما تبقى من
نيران لدى المجاهدين في إتجاه إستحكامات العدو الأمامية لإقتحامها.
وبالفعل تمكن المجاهدون بعد ثلاث ساعات من هجومهم المركز من تحرير
القسطل كاملة، وطرد جميع قوات العدو منها، حيث فر من تبقى منهم بسيارات
مصفحة بإتجاه طريق يافا. فإندفع المجاهدون خلفهم وقتلوا منهم ما يزيد
عن خمسون رجلاً، بالإضافة إلى من تم قتله داخل القسطل الذين قدر عددهم
بما يقرب من مئة وخمسون رجلاً. وقد أرخ المجاهد عارف العارف تفاصيل ما
حدث في هذه المعركة، فكتب الآتي:" بدأ الهجوم في الساعة الحادية عشر من
مساء سبعة نيسان، حيث تمكن رجال الميسرة من إقتحام الإستحكامات
الأمامية ووصلوا إلى أطراف القرية، كما وصل البدو إلى أطرافها من
الناحية الأخرى، لكنهم لم يستطيعوا إقتحامها بسبب نفاذ الذخيرة لديهم
وغزارة نيران العدو فأخذوا يرجعون إلى الوراء، فإندفع عبد القادر إلى
الأمام لينقذ الموقف دون أن يخبر أحداً من مرافقيه عن عزمه. لكن سرعان
ما أفتقده رفاقه فلحقوا به. لكن اليهود إكتشفوا تحركهم فأخذوا يطلقون
النار عليهم بشدة. فجرح رفاقه الثلاثة، فرجع إثنان منهم إلى الوراء
لتلقي العلاج، وبقيّ الثالث معه رغم جراحه النازفة بغزارة. وراح عبد
القادر ورفيقه يطلقان النار على الأعداء حتى كادت أن تنفذ ذخيرتهم.
فأرسل القائد صاحبه ليأتيه بالذخيرة، لكن صاحبه لم يعود إليه بسبب
إغمائه من شدة النزف. فأحاط اليهود بعبد القادر وكان الوقت قريبا من
مطلع الفجر الثامن من نيسان، فما كاد الفجر أن ينبثق حتى ذاع الخبر،
وأتت نجدات المجاهدين، الذين بدورهم قاموا بحركة إلتفاف حول القسطل من
الجنوب إلى الشرق إلى الشمال. ودخلوا القسطل مهللين مكبرين مطلقي النار
بما توفر لديهم من أسلحة. وسمع صوت تكبيرهم المجاهدين في الناحية
القبلية، فتقدموا وإقتحموا خط الدفاع اليهودي من هذه الناحية ودخلوا
جميعاً القسطل مكبرين وطهروها من كل جيوب اليهود فيها. ورفعوا العلم
العربي فوق أعلى مبنى فيها، بعد ظهر الخميس الموافق الثامن من نيسان.
لكن فرحة المجاهدين لم تكتمل بعد أن وجدوا القائد ملقى على الأرض
مخضباً بدمائه عند أول بيت من بيوت القسطل من الجهة الشرقية. وقد وجدوا
كل ما كان معه من أوراق ووثائق ونقود وسلاح، كما وجدوا بالقرب منه عددا
من جثث اليهود كان قد أرداهم عبد القادر الحسيني قبل استشهاده،
مما دل على أن اليهود قد خشيوا من الإقتراب من جثة الشهيد الملقاة
أمامهم بعد أن تبادل وإياهم النار. ويستدل على أثر الجروح في جسمه أن
قنبلة أصابته في شظاياها في عنقه وأذنه وفي بطنه".
حاول قادة المجاهدين إستثمار النصر بمحاصرة فلول الصهاينة في
المستعمرات القريبة من القسطل، ولكن ندرة السلاح لديهم بسبب الحصار
العربي، تركهم في وضع لا يستطيعون من خلاله القيام بعمليات كبيرة
لإنهاء ما تبقى من جيوب عسكرية والقضاء كليا على المشروع الصهيوني في
فلسطين. وفي التاسع من نيسان شيعت القدس في موكب مهيب جثمان عبد القادر
الحسيني، الذي وريّ الثرى في الحرم القدسي.
لقد كان عبد القادر يعلم أنه حين يسيطر على القسطل يستطيع أن يحمي
القدس من إمتداد يد العصابات إليها، وعزم الشهيد على السيطرة على
القسطل قبل 15\5. وقد إستطاع ذلك مقطعا أوصال الكيان الصهيوني الذي كان
سيعلن في هذا التاريخ. لكن حكام كيانات سايكس بيكو لم يعطوا أهل فلسطين
هذه الفرصة. ليكون حصارهم هو مدخل لنكبتهم وتشريدهم وإستقبالهم في
مخيمات ترويضية تضيع فيها كل حقوقهم الوطنية. --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2013م