|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
أقلام تحت الشمس
7 فبعد أن تعرفنا على حقيقة الرسالة التي حملها مارتن لوثر للغرب
المسيحي، لنحاول في مجموعة من المقالات التعرف معا على حقيقة
الرسالة التي حملها جمال الدين الافغاني للشرق الإسلامي. هذا
الرجل التي أطلقت عليه موسوعة الويكابيديا، بأنه صاحب أكبر
مدرسة تحديثية في العالم الإسلامي، وهو من جعل الشرق ينفض عنه
غبار التخلف وينطلق إلى الأمام. بعد أن أقرت هذه الموسوعة التي
تصدر بأكثر من مئة لغة، بأن الأفغاني هو المسؤول عن دفع الأمة
الإسلامية والعربية لتحتل موقعا فريدا ومميزا بين شعوب العالم.
وأعتقد منذ البداية أن مثل هذه التقييمات والأحكام أو غيرها من
النظريات والفلسفات الصادرة عن هذه الموسوعات، هيّ التي أعطت
وما زالت تعطي هالة ترويجية لبعض الشخصيات، جعلت منها رموزا
يقتدى بها من قبل الأجيال، كما جعلت من بعض النظربات والفلسفات
حاجة ملحة لا يمكن للبشرية أن تتقدم من دونها. لكن الحقيقة
التي سنناقشها معا، سوف تبين أن هذه الرموز المروج لها بعناية،
ما كانت إلا رموز عميلة ورخيصة إستخدمت لهدم معتقدات الأمة،
ورهن الأمة ومكتسباتها لصالح نفس المشروع الذي خدمه مارتن
لوثر. وكأن كان يقصد من وراء الترويج لهذه الشخصيات، إعطاء
النفس الطويل والإستمرارية لنظرياتهم الفلسفية ولنهجهم
الترويضي الساعي إلى تجريد الأمة من مصادر قوتها ومناعتها،
وصولا للقضاء على وجودها كأمة. وقد أثبت واقع الحال حقيقة
المقصد من العملية النهضوية المذكورة. فبالرغم من مرور ما يقرب
على قرن ونصف على الحالة المريبة التي صنعها الأفغاني وتلامذته
في مصر أو في العالم العربي والإسلامي. فمشروع الأمة الحضاري
لم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. بل يشير واقع الحال اليوم إلى
عكس ذلك. فهذا المشروع قد وصل بأمثال هذه الرموز والشخصيات إلى
وضع مأساوي خطير، مهدداً كل تراث الأمة وعطاءاتها الحضارية
بالإنهيار. وهذا ما يدفعنا في البداية إلى البحث في النظريات
والفلسفات التجميلية التي أسستخدمها الغرب كقناع تزوير لواقع
كان مرفوض من شعوب العالم التي وقعت تحت نير إستعماره. لواقع
كان نتاج مرحلة جشع إسقاطية شاذة دخيلة على الفلسفة الإنسانية،
إستخدمت فيه مصطلحات مزيفة أفرزتها نظريات فلسفية كان يقصد
منها تطويع البشرية لهدم منظومة قيمها الإنسانية، ليتم ترويضها
بإتجاه الهمجية (التوراتية) التي نجحت في ترويض معظم الشعوب
الأوروبية. ومن ثم قولبة هذه المصطلحات بقالب إنساني علمي
لتلتحق بركب المصطلحات العلمية المواكبة للثورة الصناعية.
وبالتالي تم إلحاق هذه المصطلحات المجملة، مع المصطلحات التي
واكبت التطور العلمي الأوروبي الذي أفرزته هذه الثورة. لتصنف
جميعها وكأنها نتاج حركة فلسفية حملت طابع التحديث والعصرنة،
الذي يفهم منه تحميل كل المسؤولية عن التخلف، لتلك الثقافات
التي هيّ بالأساس تراكم حضاري وثقافي عبر عن هوية هذه الشعوب
وسبقت عملية التحديث المقصود. وبالتالي تغدو ثقافات الشعوب
وحضارتها تخضع لهيمنة علامة الجودة المهيمن عليها بشكل كلي من
المرابين اليهود. وخصوصا أن حركة التحديث والعصرنة تميزت بصيغة
الرفض لجميع الثقافات الأخرى، لأنها نحت منذ البداية منحى
الهمجية (التوراتية) التي سيطرت على الثقافات الأوروبية، بعد
إنفلاتها من الطروحات الفلسفية والعقائدية التي نادت بها رموز
الحركات الإصلاحية ضد الكنيسة المسيحية. لتمتد وتكبر بعد ذلك
وتتعارض مع كل الأصول والقيم الحضارية التي ميزت الشعوب
بثقافاتها الخاصة. لتصل بهذه الشعوب إلى حالة من الفوضي
والإرتباك الفكري، تضيع حينها معايير الحكم الصحيح على النافع
أو الضار من النظريات المعروضة في سوق التحديث والعصرنة. ووسط
الفوضى والضياع وضغط الأمن والأمان ولقمة العيش بسبب الحروب
المتواصلة، تسللت الهمجية (التوراتية) بكل ما تحتويه من
إسقاطات مرضية، وبدعم وتمويل المرابين الذين سيطروا على كل
وسائل الإعلام والإعلان والدعاية، لتفرض نفسها على الساحة
الفكرية الأوروبية. وفي هذا الصدد يقول جيم مارس في كتابه
الحكم بالسر(ص-536):" الويل لأولئك الذين يسعون للجدل ضد
التفكير. يبدو أن ثمة مؤامرة ضد أي إكتشاف يخالف المعرفة السائدة...
يوجد في المجتمع العلمي مصفاة معرفية تمنع مرور الدلائل الغير مرغوب
فيها، عملية تصفية المعرفة هذه مازالت قائمة منذ ما يزيد على قرن، وهي
مستمرة حتى يومنا هذا". وهكذا تصبح عمليات الإبادة ضد الكنعانيين إن
كانوا في فلسطين، أو كانوا في كل بقاع الأرض، هيّ حالة لا بد منها
لإحداث النهضة والتحديث والعمران. وليصبح بعدها الإستعمار حالة ضرورية
للتحرر ومحاربة التخلف. كما يصبح الغرب هو المصدر الإلهامي لكل
الباحثين عن الإصلاح والنهضة والتقدم. ومن صلب ذلك يغدو التغريب محجة
للباحثين عن التغيير في العالم الإسلامي. لكن الغريب في هذا الأمر، أن
الغرب لم يكن في يومٍ من الأيام يعني في المرجعيات العربية أو
الإسلامية وجوداً جغرافياً، أو فكر أيديولوجي، أو مدرسة فلسفية أو
تشريعية. كما لم يكن يعني للشعوب الإسلامية، أو لكل شعوب العالم على
أنه المنتج الأوحد للقيم والثقافة الإنسانية. من باب أن هذا المنتج لا
يمكن أن يمثل كل عطاء البشرية الحضاريّ. ففي الأمس القريب كان هذا
المنتج غارقا في أنفاق الجهالة المظلمة، يتلمس طريقه تحت إشعاعات العلم
الساطعة التي تصل أوروبا من الجامعات والمراكز العلمية التي أنشأها
المسلمون في الأندلس. ولا شك أن معظمنا يعلم بقصة الوثيقة التاريخية
التي أرسلها جورج الثاني ملك انكلترا والغال والسويد والنرويج إلى
خليفة المسلمين في الأندلس هشام الثالث، الشاهدة على النهضة العلمية
التي شهدها العالم الإسلامي، سابقا بذلكً النهضة العلمية في أوروبا
بمئات السنين. حيث نصت هذه الوثيقة على الآتي: " من جورج الثاني ملك انكلترا والغال والسويد والنرويج إلى الخليفة
ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام.
بعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه
الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا
إقتباس نماذج من هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة في إقتفاء أثركم لنشر
أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أركانها الأربعة، ولقد
وضعنا إبنة شقيقنا الأمير دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف انكلترا،
لتتشرف بلثم أهداب العرش، وإلتماس العطف، لتكون مع زميلاتها موضع عناية
عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة، وحدبٍ من اللواتي ستوفرن على تعليمهن
... ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو
التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص. من خادمكم المطيع جورج. م.
أ". كما أن هناك الكثير من العطاءات والنتاجات العلمية والثقافية
والعمرانية التي أعطتها شعوب العالم على مر العصور للحضارة الإنسانية
لا يتسع المجال لذكرها. الأمر الذي يدفعنا للقول، أن هذا المنتج الغربي
لا يؤهل أوروبا، أو يعطيها الحق
المطلق في تحديد معايير المثل العليا للبشرية، ويجعلها قادرة على
رسم الحدود الأخلاقية والثقافية للمجتمعات. بينما هو في الواقع مستحدث،
ويرزخ تحت نير الهمجية (التوراتية) بكل ما تحتويه هذه الهمجية من دعوات
إبادة، وحقد وتآمر على الآخر. كما أن كل ذلك لا يؤهل أوروبا لتكون هيّ
صاحبة الحق الحصري في فرض المعايير الخاصة بالتقدم أو التحرر، مع تحديد
الحقوق المفروضة على الشعوب والواجبات المترتبة عليها لتواكب عملية
التطور، أو يعطيها الحق في تصنيف مستويات تخلف الشعوب، لتخضع بعضها إلى
قائمة شعوب دول العالم الثالث. حيث تفرض هذه القائمة على الشعوب
المصنفة بشكل عنصري تحت هذه الخانة برامج إعادة التأهيل. ليتم تحت هذه
البرامج تدمير قيم وأصول المجتمعات المزمع ترويضها. يقول الدكتور
عبدالله إبراهيم:" إن القول بوراثة الغرب الحديث للإغريق يفسر
إصطناع الغرب نظرية الطبائع، وهي نظرية عنصرية ومتعصبة، ومؤداها أن
للشعوب طبائع
تتوارثها. وقد دعمت هذه النظرية مقولاتها بكشوفات علم الأجناس
الحيوانية كما ظهر
عند داروين، ثمّ
عممت النتائج على الأجناس البشرية إعتماداً على فرضية تقول بوجود
سلالات بشرية ترث سمات تتجاوز مراحل التطور التاريخي للمجتمع، وأن تلك
السمات
الوراثية هي المسؤولة عن إختلاف التطورات الإجتماعية". وترجع نظرية
الطبائع في
أصولها إلى
الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي وضع تقسيماً تراتبياً للبشر يتضمن تقسيم
الأفراد
إلى حر بالطبيعة وعبد بالطبيعة. وهذه الفلسفة التي نادى بها الإغريق،
تزاوجت مع إسقطات الكهنة المرضية الواردة في كتاب (التوراة)، وخصوصا
تلك الإسقاطات التي تخص مفهوم (الإله المختار بين الآلهة) والشعب
المختار بين الشعوب، لينتج عن هذا التزاوج فلسفة عنصرية خاصة إعتمد
عليها الغرب في تبرير همجيته ضد الشعوب. وبناء على هذا التزاوج تم
تشريع وإعتماد المعايير في تقسيم العالم إلى مستويات عنصرية. حيث تنتزع
هذه المعايير معظم شعوب العالم من توازنها الفطري والإنساني، لترميها
في حاويات تصنيفية عنصرية لا تخرج عن المفهوم (التوراتي) الذي أوجد
مفهوم (إله التوراة) المجنون في حب العشيرة المختارة. وبذلك تم تمييز
كل المدعين بالإنتماء إلى العشيرة بأنهم في مرتبة فوق شعوب العالم ما
دامت الشرعية الدولية وضعت أبناء العشيرة فوق القانون الدولي، أما شعوب
العالم التي لا تدعي الإنتماء إلى تلك العشيرة، فقد تم تصنيفها بمرتبة
العبيد التي خلقت فقط لخدمة العشيرة. الأمر الذي سمح للغرب وخصوصا تلك
الشعوب التي تدعي بأنها عشائر بني إسرائيل الروح، بأن تتعامل مع الشعوب
الأخرى بأساليب النهب والإبادة، ونبش العظام في القبور، علَّ هذه
العظام تنبؤها على أن أصل إنسان هذه الشعوب، كان في يومٍ من الأيام
قردا ومازال طائشاً أو سطحياً بعيدا عن التطور ليتم تصنيفه من بين
البشر. ولعل ذلك قد يريح دارون الذي أرهق نفسه في عناء الدفاع عن
اليهود الذين عصوا ربهم، ونصبوا شباكهم يوم السبت بحسب ما ورد في (سورة
البقرة – 65):" ولقد علمتم الذين إعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا
قردة خاسئين". ليثبت أن هؤلاء العصاة عادوا قردة إلى أصل كل البشرية،
فلذلك لم تحدث لهم عملية مسخ أو عقاب إلهي. وبما أن دارون يعتقد أنه من
(العشيرة المختارة التي خلقها يهوه على صورته) كما ورد في (التوراة –
سفر التكوين -1-26):" لنخلق الإنسان على صورتنا". فلذلك أراد أن يقول
أن البشرية هيّ من عصت، وأن نظريته عن أصل الإنسان لا تشمل العشيرة، بل
تشمل كل البشرية التي لا تنتمي إلى تلك العشيرة. ومن هذا المنظور
المشوه والعنصري نظر المرابون اليهود الجهة الموظفة الإستعمار إلى
الشعوب التي لا تنتمي إلى العشيرة. ومن هذا المنظور قرروا أن هذه
الشعوب بحاجة إلى عملية تأهيل وإستعمار بحسب المعايير (التوراتية)
لترتقي في سلم التطور لخدمة العشيرة. الأمر الذي يعطي الحق للقرد الآخر
من مدعي نسب بني إسرائيل الروح الذي تطور واصبح إنسانا بفضل ثورته
الصناعية، وإعتمر القبعة لتكتمل بذلك دورة تطوره، في أن يقلب أراضي
الغير ويسرق مواردها ويقدس (يهوه) الذي دَفعَ هذه الشعوب أمامه! وبناءً
على ذلك يستطيع أن يلغى ثقافات الشعوب بصليةٍ من بندقيته. ويمحي
حضارتها ظناً منه أن الحضارات التي سبقت مرحلة تسكع الكهنة في بابل لم
تكن من فعل الإنسان، بل كانت من فعل (آلهة) كسلى خلقت الإنسان لتستريح
من عناء البحث عن رقائق الذهب لتحمي غلافها الجويّ، وسجلت حضارتها في
حفريات سومر التي أكتشفت منذ مئة وخمسون عاماً. وهكذا تصبح الشعوب التي
لا تنتمي لعشائر بني إسرائيل أو لا تخدم مصالحهم هي شعوب متخلفة. لتبنى
لها ثقافة جديدة مهجنة تتلائم مع الهمجية (التوراتية). تؤهلها للفوز
بعلامة الجودة والتحديث والنهضة الغربية. وتكون هي الأضاحي المؤهلة
للذبح والشواء على محارق العشيرة وأطماعها. من هذا المنظور علينا
مشاهدة ما حملته حركة النهضة في الغرب المسيحي التي أطلقها مارتن لوثر،
إلى تلامذة الإستعمار في الشرق الإسلامي مطلقي نهضة الشرق من أمثال
جمال الدين الأفغاني وتلامذته. --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2013م