|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
النبي يعقوب
أنبياء آل يعقوب أرسلوا الى بني إسرائيل ولم يكونوا منهم:(2-3)
إذن فأن المعنى المقصود في آيات التفضيل الخاصة في بني إسرائيل، لم
يحمل مديحاً لقيمة خيرية فيهم أو في خصائل حميدة قد ميزوا بها. كما لم
يقصد من المعنى ذاك الذي له علاقة في التفضيل التكويني في خَلقٍ أو
خُلقٍ أو علمٍ أو ذكاءٍ أو فراهة أجسام، لأن ذلك يعتبر تفضيل عنصري
يتنافى مع كل المعايير الربانية. الأمر الذي يجعلنا نبحث عن المعنى
المقصود بعيداً عن التميز بالخيرية. ولعل هذا الأمر قد
يحرر الكثير من علماء الدين أو المفسرين الذين غالوا في الدفاع عن
مفهومهم لخير أمة، التي وصفت فيه أمة الإسلام، لأنهم إعتقدوا أن فهمهم
للخيرية الواردة في الآية-110 من سورة آل عمران، تتناقض مع فهمهم لآيات التفضيل التي فهموا منها تميزاً في
الخير خاص في بني إسرائيل. لكننا إذا ما أخضعنا المعنى المقصود في
الحالتين إلى المعايير الربانية التي لم يقصد منها تمييزاً عنصرياً.
نجده المعنى يصبح بعد ذلك سلساً على الفهم وليس فيه أي تناقض، فمقياس
التميز بالخيرية هو الأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر والإيمان بالله،
وهذا ما كرسته أمة الإسلام، ولم يسعى إليه بني إسرائيل الذين كانوا
بعيدين كل البعد عن التميز بالخيرية بمعاييرها الربانية. كونهم
كانوا يأمرون بالمنكر ويتناهون عن الأمر بالمعروف، ويؤمنون
(بإلههم) الخاص الذي حدد (ألوهيته) في تشريع أرض فلسطين لعشيرته
الخاصة.
كل ذلك يشير إلى أن المقصود بأيات تفضيل بني إسرائيل على العالمين قصد
منه معنى التفضيل على العالمين بنعمة الهداية، لأنهم كانوا أكثر
العالمين فجورا وتمردا ومحاربة للأنبياء والرسل وبحاجة إلى الهداية.
ولكيّ نوضح ذلك علينا في البداية أن نشير إلى فرضية تأثر بعض علماء
الدين بقصص (التوراة) التي أوضحنا حقيقتها. وعلى ذلك بنوا مفهومهم
لآيات التفضيل الواردة في القرآن الكريم، بعد أن أسقطوها على مفهوم
عشيرة الصفوة الذي كرسه كهنة (التوراة) في كتابهم. فيكونوا بذلك قد
وقعوا بشرك المعايير (التوراتية) التي تعني التمييز العنصري، كما
يكونوا بذلك قد خالفوا المعايير الربانية في تمييز خير أمة. لكن وبغض
النظر عن إستحالة توضيح المعنى المقصود في آيات التفضيل إعتماداً على
القصص الصبيانية الواردة في (التوراة)، فإن ذلك لا يعطي الحق لبعض
العلماء أن يتلاعبوا بمعتقدات الأمة بعدما فقدوا مقدرة التمييز بين ما
ورد في هذا الكتاب. وبين ما يمكن أن يكون قد ورد في كتاب التوراة الحق
الذي أنزل على النبي موسى عليه السلام. ليَدّعوا بأن
تفضيل بني إسرائيل على العالمين كان بسبب مكانه خاصة لهم عند الله،
الذي تعالى عما يقولون علواً كبيرا.
وهذا ما أسقطهم في فخ مقولة الشعب المختار التي أثبتنا
بطلانها.
وبذلك يكونوا
قد حملوا المعنى من العنصرية بما لا يتلائم مع المعايير الربانية.
ظانين بذلك أن (يعقوب التوراة) هو نفسه النبي يعقوب، وأن (آل يعقوب
التوراة) هم ذرية النبي يعقوب وهم بني إسرائيل. وبذلك
إعتقدوا أن كل الأنبياء المتسلسلين من نسب النبي إبراهيم هم أنبياء
خاصين في بني إسرائيل ومنهم. وعلى ذلك بنوا فهمهم لآيات تفضيل بني
إسرائيل على العالمين، ولكي لا يقعوا في حرج مع مفهوم خير أمة، إعتقدوا
أن كل من بني إسرائيل وأمة الإسلام قد ميز بالخيرية في زمانه. مع أن رب
العزة جعل الخيرية مشروطة في كتابه الكريم، فأكد عليها على أمة الإسلام
إن إلتزمت بقواعدها، ونفى التفضيل الذي يحمل معنى التميز بالخيرية عن
بني إسرائيل التي نحت سلوكياتهم منحى الرذيلة، وهذا ما جعلهم الأبعد عن
أن يتصفوا بالخيرية. بنفس القدر الذي أسقط عنهم من أن يكونوا من ذرية
النبي يعقوب عليه السلام. والآيات القرآنية واضحة في ذلك، فقد إختص رب
العزة في كتابه الكريم النبي يعقوب
بإسم يعقوب، كما إختص ذريته بآل يعقوب. وهذا ما أكدت عليه
الآيتين الكريمتين (5-6) من سورة مريم:" وإني خفت
الموالي من ورائي وكانت إمرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث
من آل يعقوب واجعله رب رضيا". وكذلك هذا ما أكدت عليه الآية الكريمة
السادسة من سورة يوسف:" وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث
ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أُتمها على أبويك من قبل إبراهيم
وإسحاق إن ربك عليم حكيم". أمام هذا الواقع القرآني الواضح والمنزه عن
كل خطأ، نجد أن رب العزة إختص النبي يعقوب بإسمه وذريته بإسم آل يعقوب،
ولم يذكر في آية واحدة من القرأن الكريم بأن النبي يعقوب هو إسرائيل،
وبما أن النص القرأني واضح في هذا الشأن، فهذا يعني أن آل يعقوب الذين
هم فرعاً من ذرية إبراهيم عليه السلام، لا يمكن أن يكونوا بأي حال من
الأحوال هم أنفسهم بني إسرائيل، الذين ميزت بينهما الآيتان الكريمتان
(49-58) الواردتان في سورة مريم، حيث نصت الآية -49:" فَلَمَّا
اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً". ليكمل رب
العزة ويذكر في نفس السياق إسم إسرائيل في الآية -58:" اولئك الذين
أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية
إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا وإجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا
سجدا وبكيا ". فالمعلوم أن بعد الآية الكريمة التي ذكرت النبي إسحاق
والنبي يعقوب بأسمائهما، أتت الآية التي تتحدث عن ذرية إبراهيم وذرية
إسرائيل. وذكر ذرية إسرائيل في نفس السياق يؤكد أن إسرائيل شخص مختلف
عن يعقوب وأب لذرية أخرى، كما هو حال ذرية إبراهيم التي تشمل آل يعقوب
التي هي ذرية مختلفة عن ذرية إسرائيل، وإلا إعتبر ذلك عبث منزه عنه
النص القرآني. وبما أن هذه الآية ذكرت النبي إسرائيل معطوفا على النبي
إبراهيم، فقطعاً خطاب ذرية إبراهيم لا يشمل النبي إسرائيل وذريته، لأن
ذلك يعتبر حشو منزه عنه النص القرآني أيضاً. فالمقصود إذن هو إشتراك
النبي إبراهيم والنبي إسرائيل في جملة "ومن ذرية" بمعنى أن لكلٍ ذرية
منفردة عن الأخرى، أي هناك ذرية لإبراهيم، وذرية لإسرائيل. هذا يعني أن
النبي يعقوب حفيد سيدنا إبراهيم ومن ذريته، لا يمكن أن يكون هو نفسه
إسرائيل الذي خاطبه القرآن الكريم على أنه ذرية أخرى. فمن ذرية النبي
إبراهيم أبنائه النبي إسماعيل والنبي إسحاق، والنبي يعقوب إبن النبي
إسحاق وأب النبي يوسف، الذي إختصته الآية السادسه من سورة يوسف بنسب آل
يعقوب:" وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ
وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكَ وَعَلَى
آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ
إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". كما إختصته الآية-38
من نفس السورة في نفس النسب:" وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ
آبَآئِـي
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ
بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى
النَّاسِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ". فلو كان النبي يعقوب
هو حقاً إسرائيل، ونسب إسرائيل هو الأكثر شيوعاً في القرآن الكريم،
فكان من الأجدى أن يكون يوسف هو أول نبي يحمل نسب بني اسرائيل، لكن
الآيات القرآنية أكدت على أنه يحمل نسب آل يعقوب والعلم عند الله.
إذن نستطيع القول أن خطاب ذرية إبراهيم وحسب السياق القرآني شمل النبي
يعقوب ولم يشمل إسرائيل ولا ذريته. حتى نجد أن الإخبار القرآني في قصة
يوسف إستمر على نفس المنحى من السياق حتى نهاية القصة، وخصوصاً بعد أن
ذهب جميع آل يعقوب إلى مصر، فقد أكدت الأية-68 من نفس السورة على ذلك:"
وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي
عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ
يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ". فلو كان الإدعاء بأن
يعقوب هو إسرائيل صائباً، لما أعاد رب العزة إسم الذرية التي ستتشكل في
مصر من يوسف وأخوته إلى النبي يعقوب. وهذا ما يشمل أيضاً النبي موسى
عليه السلام الذي أرسل إلى هداية بني إسرائيل ولم يكن من نسلهم. ثم أن
رب العزة ذكر النبي يعقوب في كتابه الكريم بإسمه منذ البشارة بمولده
بحسب الآية الكريمة الواردة في (سورة هود -71):" وامرأته قائمة فضحكت
فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب". حتى وفاته بحسب الآية الكريمة
الواردة في (سورة البقرة -133):" أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموت إذ
قال لبنيه ما تعبدون من بعدي....". لنصل إلى نتيجة مفادها، أن رب العزة
ذكر في كتابه الكريم النبي يعقوب بإسمه وآل يعقوب بإسمهم، ولم يؤكد في
آية واحدة في أن يعقوب هو إسرائيل، أو أن آل يعقوب هم بني إسرائيل.
الأمر الذي يشير إلى أن هناك ذريتين مختلفتين كانتا في مصر، ذرية آل
يعقوب التي هيّ فرعاً من ذرية آل إبراهيم والتي إحتلت مكانة مرموقة في
مصر بحسب ما ذكره رب العزة في كتابه الكريم، وذرية مستقلة عنها هيّ ذري
بني إسرائيل عاشت متنقلة بين فلسطين ومصر تبحث عن المراعي والأرض
الخصبة. ولمعرفة حقيقة العلاقة بين الذريتين علينا العودة إلى مفهوم
الإصطفاء بحسب المعايير الربانية للإصطفاء التي وردت في الآية-132 من
سورة البقرة:" وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا
بَنِيَّ
إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ
وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ".
فمعنى الإصطفاء المقصود في القرآن الكريم يخضع لنفس مفهوم معنى الخيرية
بمعاييرها الربانية، التي يقصد منه إصطفاء إيماني جوهره الدعوة إلى
الإسلام "فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتم
مُّسْلِمُونَ". ومن هذا المنطلق علينا فهم معنى الإصطفاء الوارد في
الآيتين (33-34) من سورة آل عمران:" إنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ
وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ
عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ
سَمِيعٌ
عَلِيمٌ". فالذريات التي إختصها رب العزة بالإصطفاء بالمعايير
الربانية هيّ ذرية آل إبراهيم التي منها فرع آل يعقوب، ومن فرع آل
يعقوب خرج فرع آل عمران. هذه هيّ أفرع الذريات التي خرجت من ذرية
إبراهيم بحسب النص القرآني المنزه عن كل خطأ. فذرية إسرائيل الذين
شملهم خطاب "ممن حملنا مع نوح" في الآية-58 من سورة مريم، نجد أن خطاب
الإصطفاء لم يشملهم، بل شمل آلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ الذين هم
ذرية بعضها من بعض. الأمر الذي يشير إلى ان الإصطفاء الذي خص آل
إبراهيم، كان إصطفاء لهم بالنبوة والدعوة إلى الإسلام، وهذا لم يشمل
بني إسرائيل الذين لم يشملهم خطاب الإصطفاء. ولمعرفة حقيقة العلاقة بين
الذريتين فالنتابع معاً ما أكدته الآيتين (2-3) من سورة الإسراء:"
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي
إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلا. ذُرِّيَّةَ
مَنْ
حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً". حيث توضح هاتان
الآيتان اللتان أتيتا في سياق واحد الآتي: من آباء ذريات إبراهيم
وإسرائيل الذين حملوا مع نوح، دفع رب العزة بالتوراة إلى العبد الشكور
موسى الذي هو من ذرية إبراهيم المصطفين بالدعوة إلى الإسلام، ليهدي بها
بني إسرائيل الذين هم من ذرية إسرائيل الغير مصطفين والذين هم بحاجة
للهداية. فمن هذا المنطلق علينا الإستدلال على وجود فرق بين بني
إسرائيل الذين أنعم الله عليهم بنعمة هدايتهم إلى الإسلام، وآل يعقوب
الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإصطفاء إذ جعل فيهم أنبياء الهداية إلى
الإسلام. وهذا ما أكد عليه رب العزة في الآيات التالية: في سورة
المائدة- آية -44، وفي سورة البقرة-آية-132، وفي سورة آل عمران في
الآية-84 وغيرهن الكثير من الآيات التي تؤكد على ذلك. إذن فالأنبياء
الذين شملهم الإصطفاء هم أنبياء الإسلام من آل إبراهيم، وهم أنفسهم من
أرسلوا لهداية بني إسرائيل. لذلك كانت الآية -20 من سورة آل عمران
واضحة في تحديد هذه العلاقة:" وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا".
من هذا المنطق الواضح نستطيع أن نفهم معنى التكليف الرباني، الذي
كُلِفَ به النبي موسى وريث النبوة من آل يعقوب، والذي بعث لهداية بني
إسرائيل إلى الإسلام، وفي تخليصهم من ظلم فرعون الذي طغى وظلم. كل ذلك
يؤكد أن بني إسرائيل الجهة المطلوب هدايتها إلى الإسلام، وأنبياء آل
ابراهيم بفرعيها بني يعقوب وآل عمران هم أنبياء الله المكلفين بدعوة
بني إسرائيل إلى الإسلام، وأن كلا الذريتين كانتا في مصر، وخرجت مع
النبي موسى بعد أن أغرق رب العزة فرعون وجنوده في اليم.
والواضح من الوثائق التاريخية المكتشفة بأن الفراعنة قادوا هجومات
عديدة على فلسطين وما حولها، إجتاحوا فيها المدن والقرى الفلسطينية،
وطبيعي أن يأخذوا منها الأسرى ليتم تشغيلهم كعبيد في الأعمال الشاقة،
كما كان من الطبيعي أن يأخذوا النساء سبايا كجزءاً من الغنائم إلى
فرعون وطاقمه الحاكم. وقد يكون من ضمن هؤلاء الأسرى والسبايا مجموعة من
الرعاة المتنقلين بين الحدود من بني إسرائيل الذين تسلسلوا من نسل
إسرائيل قبل ذلك بزمن لا يعلمه الا الله. ومن المعروف أيضاً بأن
الهكسوس (ملوك الخيل) من أهل فلسطين وحولها قد هاجموا مصر، وأخضعوها
لحكمهم لأكثر من ثلاثمائة سنة. الأمر الذي يشير إلى فرضية أن تكون قد
جرت بعض التنقلات بين القبائل والعشائر العربية عبر الحدود، بين مصر
وفلسطين المحكومتان بنظام حكم واحد، تحت ضغوط الجفاف والتصحر وبحثا عن
المياه والمراعي والأرض الخصبة، أو طلباً للتجارة والكسب المادي، أو
هروباً وطلباً للنجاة من وضع قاهر يتهددهم. ويعتقد أن بني إسرائيل
الذين كانوا يتنقلون بالأساس بين الحدود، قد دخلوا مصر في مناسبات
عديدة بحسب ظرف من هذه الظروف وفي فترات زمنية مختلفة. وقد أكدت
الوثائق المصرية المكتشفة أن بعض القبائل القادمة من فلسطين كانت تدخل
مصر في فترة حدوث قلاقل وفوضى، أو حدوث عصياناً وتمردا على الحدود
الشرقية لمصر. وتؤكد النقوش المصرية المكتشفة في بني حسن أن فرعون مصر
أمنمحعت الاول قام بعد فترة من حدوث الفوضى والإضطراب في الجزأ الشمالي
من مصر، وبخاصة في شرق الدلتا بتحديد حدود كل مدينة من خلال بناء أسوار
حجرية حولها لمنع وفود القبائل القادمة من الشرق. الأمر الذي يرجح أن
يكون بني إسرائيل من ضمن هذه القبائل الوافدة إلى مصر ما بين 2111-2082
قبل الميلاد وهيّ فترة حكم الفرعون أمنمحعت. مستفيدين من الوضع الفوضوي
الذي كان ينتاب الحكم الفرعوني حينذاك. ونستطيع القول أن هذه الفترة
الزمنية سبقت فترة دخول النبي إبراهيم مصر بما يقرب من مئتين وخمسون
سنة. فلو أخضعنا هذه الفرضية التي أكدتها الإكتشافات الأثرية، مع
النتيجة القرأنية السابقة والمتعلقة في هداية بني إسرائيل، نصل إلى
نتيجة مفادها أن أول أنبياء الإسلام الذين إرسلوا لهداية بني إسرائيل
إن كانوا في المناطق الشرقية الشمالية من مصر، أو كانوا في المناطق
الغربية الجنوبية من فلسطين، كان النبي إبراهيم عليه السلام. وقد أكدت
على ذلك سورة آل عمران في الآيات الكريمات (65-67):" يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ
التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ
عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ
يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". وكذلك أكدت الآية-128 من سورة
البقرة على ذلك:" رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ
عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ". وهناك الآيات
العديدة التي تؤكد على دعوة النبي إبراهيم إلى الإسلام، فكانت بذلك ملة
النبي إبراهيم المسلمة قد تواجدت قبل نزول التوراة على موسى عليه
السلام، وعلى ذلك أكدت الآيتين(18-19) من سورة الأعلى:" أن هذا لفي
الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى". أما بالنسبة لآل يعقوب فمن المعتقد
أن يكونوا قد دخلوا مصر بعد ثلاثة أجيال من دخول النبي إبراهيم إليها،
والذي لم يستقر فيها. وهيّ فترة حكم الهكسوس لمصر. حيث تقدر مرحلة خروج
النبي ابراهيم من مصر ودخول النبي يوسف إليها بما يقرب بمائة وخمسون
عاما، وهذا ما يتطابق مع فترة دخول الهكسوس الى مصر في القرن الثامن
عشر قبل الميلاد. والهكسوس هم عرب أخذوا تسميتهم من جزر (هك) التي تعني
حق، وجزر (سوس) التي تعني الحصان، لتعني بذلك مالك الحصان أو ملوك
الخيل. جاء الهكسوس من فلسطين وبلاد الشام ودخلوا مصر بعد أن تغلبوا
على الفراعنة بفضل المركبات الحديدية التي صنعوعا. وكونوا في مصر أسر
حاكمة حمل كل حاكم منهم لقب الملك. وقد إستطاع آل يعقوب العرب، بعد
فترة وجيزة من دخولهم مصر أن يكونوا جزءا من النظام الحاكم وهذا ما
أكدت عليه سورة يوسف. وما يؤكد أن آل يعقوب دخلوا مصر في فترة حكم
الهكسوس، هيّ تخصيص القرآن الكريم في سورة يوسف إسم حاكم مصر بإسم
الملك، وهو اللقب الذي كان يطلقه الهكسوس على حاكمهم، وهذا ما أكدت
عليه الآيات الكريمات في نفس السورة:" وقال الملك إني أرى سبع بقراتٍ
سمان ... وقال الملك إئتوني به أستخلصه لنفسي... ما كان ليأخذ أخاه في
دين الملك إلا أن يشاء الله ...". لكن بعد زوال حكم الهكسوس لمصر وعودة
الفراعنة إلى سدة الحكم، نجد أن القرآن الكريم قد ذكر إسم حاكم مصر
بفرعون. الأمر الذي يؤكد أن يوسف وأبيه وإخوته دخلوا مصر في فترة حكم
الهكسوس العرب. يقول شفيق مقار (مرجع سابق-90):" يخبرنا التاريخ أنه
خلال الفترة 1785-1580 قبل الميلاد، وهيّ فترة الأسرات من الرابعة عشر
إلى السابعة عشر، إضطربت أحوال الشمال إضطراباً عنيفاً في ظل حكام
دخلاء، وعندما قضى أحمس على هؤلاء الدخلاء، إستدار إلى من كانوا قد
تعاونوا معهم فصادر أملاكهم". لذلك بعد أن إنهزم جنود الهكسوس على
الجبهات، لم يتسنى لآل يعقوب الذين صودرت ممتلكاتهم، ولا لبني إسرائيل
الباحثين عن المراعي من الخروج من مصر، وعلى ذلك عاملهم المصريون بهذه
القسوة التي أكد عليها القرآن الكريم، لأنهم إعتبروا كل من دخل مصر من
الحدود الشرقية الشمالية هم من أقوام الهكسوس المحتلين الذين لم يتسنى
لهم الهروب. وهكذا يكون قد واجه آل يعقوب وبني إسرائيل وغيرهم من قبائل
فلسطين وأهل الشام الذين لم يتسنى لهم الخروج مع الهكسوس، كل الويلات
والإضطهاد والظلم من فرعون ورجالاته. وهذا ما أكدت عليه الآية الرابعة
من سورة القصص:" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ
أَهْلَهَا شِيَعاً
يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ
وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ".
وأعتقد أن هذا هو سبب حصول الإلتباس عند البعض. ففي البلد الواحد أرسل
نبي من الذين إصطفوا من آل يعقوب إلى الذين فضلوا بالهداية من بني
إسرائيل. فإعتقدوا بذلك أنهم من ذرية واحدة. --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2013م