|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
عادل سمارة
د. عادل سمارة
يتحدد موقف المجتمع من اية منظمة سياسية بناء على أية مرحلة وصلت وأية
لعبة اختارت. فلا اصطفاف مع تنظيم سياسي او نظام سياسي بعيداً عن
مواقفه وأدائه. صحيح أن هناك الكثير من أعضاء التنظيمات وكوادرها
يخصعون لغسيل دماغ بعمى كبير وراء قياداتهم اين انتهت لا فرق، ولكن،
وإن كانت هذه هي القاعدة لدى معظم القوى السياسية، فهي ليست القاعدة
بالمعنى الوطني والعقلي والتاريخي.
كانت هذه هي التجربة المرة لمنظمة التحرير الفلسطينية. فحينما اختارت
فصائلها، بتنوعاتها، الكفاح المسلح، عندما هدَّفت باتجاه ما تؤشر إليه
بوصلة الشعب والأمة، انحازت الأكثرية الشعبية إليها. وحينما تم تغيير
وتدجين الميثاق القومي ومن ثم الوطني، وتم التراجع عن مبدأ الكفاح
المسلح، ووصل الأمر إلى تصفية خلايا المسلحين اشاحت الناس بوجهها عن
منظمة التحرير رغم استمرار ولاء الكثير من عناصر قوى التسوية.
وهو الأمر الذي خدم حركة حماس حينما اختارت لعبة المقاومة، وهي ما يتوق
الناس إليها رغم الأوجاع التي يُلحقها بهم الاحتلال. فهل كان هدف حركة
حماس هو المقاومة بما هي واجب ومشروع وطني؟ هل بدأت كما بدأت منظمة
التحرير؟ أم أن قيادتي كلتيهما كانت تعرف قدر عزيمتها فاستخدمت الكفاح
المسلح لتصل سدة القيادة ومن ثم تساوم بالرصيد المتحقق؟ لندع هذه
الأسئلة لبطن التاريخ الذي سيقدمها لنا "(ويأتيك بالأخبار من لم
تزود-طرفة بن العبد- اما اليوم فربما تقدم ذلك ويكيليكس".
وإذا كانت منظمة التحرير قد دخلت مرحلة "الحياة مفاوضات" بإعلان صريح
وواضح وبلا لبس، بل وحتى بمفاخرة يتسائل المرء: هل يُعقل أن يتم
التفاخر بالتسوية؟ إنما هذا ما حصل. هل هي حرب نفسية، هل هي خير دفاع
الهجوم، هل هي ترهيب مسبق للوعي كي لا يشتبك؟ هي كل هذا وأكثر، أي إذا
كانت منظمة التحرير هكذا، فإن حركة حماس تتأرجح بين ماضي منظمة التحرير
وحاضرها مما يوحي بان مستقبلهما واحداً.
لقد اثار ما كتبه الرفيق محمود فنون عن تذبذبات السيد موسى ابو مرزوق،
أحد قادة حماس، اثار حفيظة غُلاة الولاء للتنظيم السياسي، وحتى حفيظة
كل من يقفون ضد سوريا ممن ليسوا سلفيين ولا وهابيين ولا حتى إخوان،
وشاء هؤلاء أم أبو فهم في صف بتنوعات معسكرها من واشنطن إلى تل أبيب
فأنقرة فالدوحة فالرياض وصولا إلى مكاتب الأنجزة.
والطريف أن ما كتبه فنون موثق وواضح، مما اضطر المدافعين ان يطلقو
النار[1] في اتجاه آخر تغطية على الثغرة المكشوفة. كما استشهد أحدهم
بالشهيد الشيخ أحمد ياسين بانه تحدث عن هدنة وغير ذلك. ولا شك ان من
يستشهدون بالشهداء والمناضلين القدماء من مختلف القوى، إنما يتمتعون
بذهنية بطريركية ماضوية من جهة وإيمان بإطلاقية الفرد كإنسان من جهة
ثانية. وهذا عجيب. فالشهيد يمكن أن يخطىء في حياته، والشهادة لا تمسح
أخطائه لدى أهل الدنيا.
إن
الانتقال التدريجي لحركة حماس نحو التسوية، وهو انتقال لسوء حظ
الغُلاة، واضح لأنه بسبب الإعلام يتم بالتصوير البطيىء ، يتضح يوما بعد
يوم، حتى بمعنى الأيام الحقيقي وليس المجازي، وقد يكون أوضحه تلك
العلاقة الحميمة بين قادة حماس وإمارة قطر التي تفعل في الأمة أكثر من
الكيان الصهيوني فعلا ينحدر إلى مستوى إتيان المرء بأمه. هذا دون أن
نشير إلى علاقة قيادة حماس بتركيا حيث بايعتها على الخلافة السلفية
وتورطها ضد سوريا دون ذنب من سوريا تجاه حماس تحديدا. هذا الانتقال
أزاحت حماس نفسها به من المقاومة إلى السياسة.
وإذا كان شرف المقاومة يحميه الرصاص، وهذا حقيقي وجميل، فإن لعبة
السياسة بحاجة لغطاء قوي له مفعول الرصاص. لذا، لجأت حماس كما يفعل
الإخوان إلى استخدام لعبة الدين. والدين كإيمان رصيد لا ينضب، وتغدو
المهارة كيف يمكن تسييس الدين لاستخدامه في الصراع السياسي . وهذا أمر
تقوم به مختلف قوى الدين السياسي على الصعيد العربي بأجمعه. وهو ما
كشفت عنه الأيام بأن هذه القوى متحالفة مع أنظمة النفط وخاصة في قطر
والسعودية، وبنفس السلاح تمكنت من التهام حراك تونس ومصر، وفتحت
ذراعيها للولايات المتحدة، اما اقتصاداتها المفتوحة اصلاَ.
وبالطبع ليس هذا موضع نقد حاد علينا توجيهه للقوى العلمانية قومية
ويسارية حيث انسحبت من ميدان الدين والدنيا فاتحة المجال لحكام النفط
لتمويل قوى الدين السياسي ضمن مشروع ثقافي هندسته الرأسماليات الغربية،
مما انتهى إلى ساحة تمور بالحديث عن الدين وليس الوطن وعن عذاب القبر
وليس اغتصاب الأرض، وعن اعتقال المرأة في المنزل وتبرير نهب ثروة الأمة
بينما يجوع معظمها وينحدر إلى اعلى نسبة أمية في العالم.
ولكن كل هذا هو نصف الجريمة. أما النصف الآخر فهو تكفير من لا يصطف مع
هذه القوى، اي مع قوى الدين السياسي. فمن يطالع ما يكتبون، من هجوم على
العلمانية والقومية والاشتراكية ومساواة المرأة وتحرر المرأة وضد
الاستغلال...الخ، يعي بوضوح بأنهم إنما يقولون لنا: أرجوك أن تُلحد كي
أجد لي شغلاَ بتكفيرك!
فليس هناك اسهل من صرف عملة التكفير كي يربح من يقوم بذلك ربحا هائلا،
أي بمعدلات الربح المتأتي من المضاربة وهو اعلى كثيرا من المتأتي من
الإنتاج، فربح المضاربة هو أعلى درجات الحرام الاستغلالي.
قد
يرى البعض في هذا مبالغة، ولكن ليجب البعض على الأسئلة التالية:
ماذا ستفعل الأسرة والنظام الحاكم في السعودية وقطر ومختلف كيانات
الخليج، إن لم تسند علاقتها بأمريكا على أن امريكا مؤمنة وكل من
يعارضها كان مسلما وكفر! ناهيك عن تكفير الشيعة، وبعد ذلك يستمر الحديث
عن وحدة أمة الإسلام! أم ان الأمر سهلاَ، اي وحدة الأمة بعد ذبح الشيعة
وكل سني لا ينضوي تحت عباءاتهم.
على ماذا يمكن أن تعيش ملايين فرق الدعوة التي تتمول من الخليج وتجوب
الوطن شبرا شبرا. وماذا يفعلون؟ يدعون المسلمين إلى الإسلام! وكأن
المسلمين لم يسمعوا بالإسلام بعد. ولعل من أطرف ما يستخدمون: " سيعود
الإسلام غريبا كما جاء غريبا". طبعا لا أزعم أن هذا الحديث هو للرسول
الأكرم ولا اعتقد ان معناه العميق كمعناه المباشر . فالإسلام أتى
إكمالا للديانات الأخرى، وهذا لا يعني أنه غريب بالمعنى الحرفي. ولكن
تجار الدين يستخدمونه حين الحاجة، وربما لذا قال الإمام علي رضي الله
عنه (حتى لو غضب مشايخ السنة) بأن "الدين حمَّال أوجه" وطبعا هذا معنى
فلسفي للدين لا ينتجه سوى عبقري كهذا الرجل.
كيف ستغطي السعودية وجود الأمريكي في كل منزل ومسجد وحتى بيت الله
الحرام، إن لم تتهم من لا يواليها بالكفر والإلحاد لتبرر مزاعم أن
الملك حامي الحرمين. أليس هذا كفراً؟ ألم يقل عم الرسول بأن "للبيت رب
يحميه"! فهل يحميه الملك الذي تحميه الولايات المتحدة وأوربا الغربية
من شعبه؟
ولكن روح التاريخ لم تمت، ومقاومة هذا الطوفان هي اقوى مما كنا نتوقع.
وفي حين هناك أعدادا هائلة من المضيَّعين والفئات الرثة والمضللة
والجاهلة والمخدوعة، فهناك من هو أكثر منهم عددا وأعمق فهما للحياة.
لم يعد سلاح التكفير والإلحاد بكل ذلك الفعل حتى وهو يُلبس لبوس الدين
للتغطية على لعبة السياسة، هذا ناهيك عن أن لعبة السياسة تشترط وجود
وطن يقف عليه اللاعبين. أما في حالة الفلسطينيين، فاللاعبون يقفون في
الهواء!
--------------------------------------------------------
[1] يرفض أو لا يستطيع هؤلاء فهم حق الناس في قرائتهم. قبل ثلاثة
أعوام كتبت نقداً لفرض الحجاب في غزة فهوجمت بشكل مسعور من مواقعها
الإلكترونية، كافر وشيوعي وماركسي...الخ. ولعل المغارقة أنه في الوقت
الذي كانت فيه حماس في لعبة المقاومة، لم يجرؤ كثير من كوادرها على
الرد على الهجمة الأميركية عليها. حينها كتبت أكثر من مرة ومنها مقالة
في جريدة النهار: "ليست حماس بل "الشريك الكامل" هو الإرهابي" النهار
المقدسية، 8 ايار 1993. هل كان مطلوب منهم عدم التصدي لأمريكا من أجل
يوم إعلان الحب، كما هو اليوم! --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2013م