|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
عادل سمارة
د. عادل سمارة
تعلمنا الأيام، وهي تجارب بالطبع، أن الثقافة من اللدائن الأكثر مرونة
حيث تفتح على السُمو كما تفتح على عكسه، النفاق مثلاً. فهناك علاقة
وثيقة بين الثقافة والنفاق. علاقة تسمح للمثقف بل وتمكنه من الاستدارة
على ما يكتب ويقول لأنه كلما راكم ثقافة كلما كان اقدر على التحكم
بالكلمات ولوي أعناق الحقائق وإخراج ذلك كما لو كان هو الحقيقة. وأن
يتمكن امرىء من تحويل الالتواء إلى بديل للحقيقة فهذا أمر ليس بالسهل.
لكن سلوكا كهذا، لا يتبعه سوى مثقف السوق، اي المثقف الذي كان هدفه من
مراكمة المعلومة واللغة تمكين نفسه ذاتياً كي يحوز على ما يبيعه لسوق
السياسة والثقافة والعلاقات الاجتماعية بمضامينها الطبقية والعنصرية.
وهنا يمكننا القول بأن الثقافة هي قيمة تبادلية، اي سلعة للبيع. وحين
تُعبر هذه السلعة عن مواقف وارتباطات وعلاقات المثقف، فهذا يعني أنه هو
نفسه سلعة يرى نفسه ويعرضها هكذا، وهذا لا يشمل فقط الجهد الذهني الذي
يباع كقوة عمل بل يتوغل إلى المستوى النفسي الذي يعكس استدخال
الإنسانية للهزيمة، هزيمتها.
ويرتبط موقف هذا اللون من المثقفين بطبيعة التشكية الاجتماعية
الاقتصادية وخاصة تلك التي نعيش اي الرأسمالية حيث يسيطر نمط الإنتاج
الراسمالي بما يحمله ويجسده من علاقات اجتماعية تعكس أخلاق مرحلة في
التاريخ تُسلِّع كل ما هو إنساني. فكلما كان المستوى الأخلاقي لمرحلة
ما متهافتاً، كلما كان سلوك هذا المثقف نفاقاً عالياً وعلنياً وحتى
بافتخار. أليس ممتع لمن يرى نفسه على قمة المرحلة ان يتباهى بذلك حتى
لو كانت قمة من النفاق؟ ألا نلاحظ هذا في الإعلام الذي يُبرز مثقفين
يقومون حقيقة بإعماء الجمهور.
الأصل في الثقافة أنها وعي وتوعية إنسانية، أي هي قيمة استعمالية
يخلقها الناس لحاجتهم ولكفايتهم وليتبادلوا ذلك مع بعضهم دون علاقة
بالسوق. السوق تلك البالوعة المتوحشة التي بداية تجردك من الأخلاق
والعطاء وتجهزك للأخذ والاقتناص. فالكل يذهب إلى السوق كي يربح! وإذا
كان الكل سيربح فمن الذي سوف يخسر، وفي العادة يكون الرابحون قلة
ويقلوا أكثر والخاسرون هم الأكثرية المتكاثرة. السوق هي الملكية الخاصة
وهي نفسها التي تجعل من السهولة بمكان تسليع الثقافة والفكر بل
والإنسان نفسه.
ولكن، ما هو شاهد هذا الحديث؟ ومصطلح شاهد الحديث هو مأثور من حقبة ما
قبل المذياع والتلفاز حين كان المسن يتحدث للآخرين عن الماضي في
مسلسلات أطول من دزني ومن باب الحارة والحلمية وحتى من مسلسلات
الاستعمار التركي الطوراني، مهند وغيره.
شاهد الحديث في الحالة الفلسطينية متعلق بخيال وشياطين المثقفين حينما
بدأت تفوح روائح ورطة التسوية، اي التساؤل الذي كنت اثرته حينها عن
ماذا سوف يكتب شعراء وأدباء وسياسيو التسوية بعد أن دوخونا بالكتابة عن
التحرير والعودة وحرب الغُوار وغابة البنادق...الخ. وكانت بدايات فوحان
تلك الرائحة حينما تورط الراحل إدوارد سعيد فنزل من عرش الأدب المقارن،
وكان هناك يميني/ ما بعديٍ/ ومبدعٍ، ليتورط في وحل سياسة المهزومين،
فأخذ معه ياسر عبد ربه إلى مطهر واشنطن وهي العلاقة التي أنتجت مفاوضات
مدريد واتفاقات أوسلو ولاحقا باريس واحد واثنين...الخ.
لقد ثبت أن النفاق الثقافي في غاية المرونة إلى حد الانطواء إلى الوراء
بقدر الانحناء إلى الأمام. فإذا بهؤلاء المثقفين وقد انخرطوا في
التسوية وأنتجوا صياغات عديدة ربما أسس لها أيضا الراحل محمود درويش
بعبارته الخطيرة: "من يخرج على الشرعية يخرج على الإنسانية". كانت هذه
العبارة إيذاناً بحلول القيادة، قبل ان تصبح سلطة، محل الوطن وتأكيد
تحويل الوطن إلى مكان، اي مكان حيث يتواجد الإنسان مما يعني مساهمة
الفلسطيني نفسه في سحق الحيز الفلسطيني إلى غير رجعة او عودة أو تماسك.
وفي حين كان درويش بليغا في اللغة والخيال فأقلع عن شعر الواقع إلى شعر
الرموز تورط مقلدوه الفقراء في ما قال، وعجزوا عن الانتقال إلى ما آل
هو إليه، فولدوا عبارات من الإجهاض السياسي واللغوي والوطني بالطبع
مثل: المدن المحررة، والدولة المقصود بها في الضفة والقطاع، والمقاومة
الشعبية بمضمون مبهم لكنه يتبرأ من الكفاح المسلح وينحصر في نطاق
أوسلو، وتسمية التمول الأجنبي تنمية...الخ. وحينها وجدنا هؤلاء
المثقفين وقد ملأوا فراغات سلطة أوسلو-ستان بين وزير ومدير عام وسفير
حتى في دول الناتو العربية مثل ليبيا الحالية، وانتهى من كان في صفوف
المقاومة قبل اوسلو إلى مطالب بتقاعد يليق ب أمجاده، كيف لا وقد تقاعد
كفاحيا وفكريا وعمراً، ووصل البعض إلى مطبع متخصص في مديح الاتحاد
الأوروبي والدفاع عن عذرية فرنسا مثلاً.
وهنا يحضرني شاهد الحديث ثانية. والأمر هنا متعلق بسوريا. فمقدمات
اللحظة تشير إلى أن سوريا لن تتقسم، وهذا يغيظ مثقفي التسوية والنفاق
لأنهم لا يؤمنون بوطن أصلا، وإن كان لا بد فليكن برأيهم شذر مذر. وإذا
ما صحت مقدمات ما يحصل، ونعتقد أن ذلك صحيحاً، فإنني لم أعد قلقاً على
هؤلاء المثقفين بمعنى أنهم سوف يلوون أعناق ثقافتهم. كيف لا، أما وقد
أثبت هذا الفريق من المثقفين قدرته على طمس وطن بأكمله وبتاريخه، فما
الذي يعجزه عن الانتماء إلى قطر والسعودية. فهو مؤهل للعيش الريعي،
هكذا كان مثقف منظمة التحرير وهكذا انضم إليه مثقفون هنا جاهزون للعمل
مع سلطة الحكم الذاتي. لا قلق على هؤلاء إذن وشيخا قطر يرعيان
براعاتهم، شيخ الريع وشيخ السلفية.
سوف يستمر هؤلاء في الهجوم على سوريا، وسيتمولوا من قطر والسعودية
والإمارات وغيرهن في معركة مديدة سيرثهم حتى جيل آخر، لأنها معركة مع
بل على القومية العربية وهجائها بالشعر والنثر، وسيقطعوا رأسها كما قطع
أحبائهم في جبهة النصرة راس أبي العلاء المعري. بالطبع كتب بعضهم غنجاً
مصطنعا عن رأس ابي العلاء! ولكن من لا يبكي فلسطين لا يبكي راس تمثال
أبي العلاء، فما من سلفي بوسعه طمس فلسفة أبي العلاء.
سوف ينتضي هؤلاء سيوف القُطرية وسيفتحوا حربا ضد روسيا والصين، الأولى
بتهمة تراث الاستبداد الشرقي والطمع لاستعمار سوريا والثانية لأنها لم
تغادر الشيوعية بعد.
بيت القصيد، أن "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" فالارتزاق مهنة تاريخية
تعيش بثدييها. وحين تُهزم امتداداتهم أمام العروبة، فسيجدون مصدر رزق
أوسع للقتال ضد الطبقات الشعبية و"غول" الاشتراكية. لا خوف عليهم إذن،
فالسلعة الثقافية في عصر راس المال والتبعية تستدعي الطلب دائماً. --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2013م